خطف منتخب «كاب فيردي» الأضواء في ساحل العاج. احتل العناوين العريضة بأدائه اللافت، لا بوقع اسمه الموسيقي فحسب. الرأس الأخضر وضع يديه على أفواه النقاد، وفرض نفسه حصاناً في البطولة، محققاً ما عجزت عنه أمثال المستضيفة ساحل العاج وغانا والجزائر.
تأهُّل الرأس الأخضر بحدّ ذاته ليس حدثياً، وذلك تبعاً إلى سجل تاريخ مشاركاته الجيد. سبق لمنتخب «كاب فيردي» أن تأهل من دور المجموعات في نسخة 2013 على حساب المغرب، قبل أن يخرج في نسخة 2015 باكراً، رغم عدم هزيمته (حقق 3 تعادلات)، ثم خسر في دور الـ 16 من نسخة 2021 أمام بطل المسابقة السنغال.

المفاجأة في النسخة الحالية تكمن في اعتلاء الرأس الأخضر المجموعة الثانية على حساب منتخبات «ضخمة» من حجم مصر وغانا، كما تأهّله إلى دور الـ 16 قبل جميع المنتخبات المشاركة.

ما قبل البطولة ليس كما بعدها بالنسبة إلى «كاب فيردي». كأس الأمم الإفريقية سلّطت الضوء أكثر على هذا المنتخب المميز، كما الدولة بشكل عام، التي تعدّ الأصغر مشاركةً على الأراضي العاجية.

الرأس الأخضر عبارة عن 10 جزر صغيرة قبالة ساحل إفريقيا الغربي، تبلغ مساحتها مجتمعةً 4 آلاف كيلومتر مربع تقريباً على بعد 570 كيلومتراً من سواحل السنغال في المحيط الأطلنطي. تعدّ سانتاغو أهم الجزر فيها، وهي تحتوي على مدينة برايا العاصمة.

ضآلة المساحة تنسحب إلى الكثافة البشرية أيضاً، حيث يصل تعداد سكان الرأس الأخضر إلى 483,628 نسمة تقريباً. أقل من نصف مليون شخص، لم يمنع «كاب فيردي» من تقديم 27 لاعباً مميزاً رفعوا اسم المنتخب في البطولة الجارية.
قام الاتحاد الكروي للبلاد بمجهودات جبارة لتجميع الفريق


وبالحديث عن اللاعبين، فقد وُلدوا في 6 بلدان مختلفة، 11 لاعباً في جزر القمر، 5 في فرنسا، ويتوزّع الباقون بين سويسرا وهولندا، والبرتغال، وإيرلندا.

بالإضافة إلى ذلك، يُصنَّف المنتخب على أنه الأكثر «احترافاً» في النسخة الحالية من كأس إفريقيا، حيث يحترف لاعبوه في 25 فريقاً مختلفاً ضمن 16 دولة، مقابل مشاركة لاعب واحد فقط من نادٍ محلي داخل الرأس الأخضر.

يعدّ الرأس الأخضر منتخباً عالمياً حديثاً. في حين أن العديد من الفرق الدولية تتألف من لاعبين ذوي خلفيات وثقافات مماثلة، فإن «كاب فيردي» يميل إلى التنوع الثقافي. في هذا الإطار، قام الاتحاد الكروي للبلاد بمجهودات "جبارة" لتجميع المنتخب، حيث بات يعتمد أكثر على أبناء المهجر مقارنةً بالسابق. ففي أول تشكيلة للرأس الأخضر ضمن كأس الأمم الإفريقية 2013، شارك 18 لاعباً ولدوا في الجزر من أصل 23.

رقمٌ أخذ بالتضاؤل مع توالي الأعوام، إثر تركيز منتخب «كاب فيردي» على تحقيق أقصى استفادة من موارده المنتشرة، وبشتى السبل، منها عبر موقع التواصل الاجتماعي "LinkedIn"، كما حصل مع اللاعب روبرتو "بيكو" لوبيز. تبعاً لتصريحات سابقة للاعب الذي ولد ونشأ في دبلن - إيرلندا، تلقّى لوبيز رسالة على موقع "LinkedIn" لتمثيل الرأس الأخضر، بعدما فقد الأمل في تمثيل جمهورية إيرلندا على المستوى الدولي الأول. تجاهل لوبيز الرسالة لأنها كانت مكتوبة باللغة البرتغالية (لا يجيدها)، لكنه قبل العرض لاحقاً بعدما أرسل مدرب «كاب فيردي» رسالة أخرى باللغة الإنكليزية.

هذا "الشتات" في بلاد الغربة يعود ربما إلى حقيقة أن جزر الرأس الأخضر اكتُشفت واستُعمرت من قبل البرتغاليين عام 1460، ولم تنل استقلالها إلّا في 1975.

وبدأت الهجرة واسعة النطاق من الرأس الأخضر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ما أدى إلى توزّع أعداد كبيرة في شتى بقاع الأرض.

هو منتخبٌ مميز لبلدٍ أكثر ميزة، كتب لاعبوه قصتهم من الصفر ووصلوا بأدائهم إلى العالمية. الفصل الرابع قيد الإنشاء في "كوت دي فوار"، فهل تحاكي الخاتمة سحر «كاب فيردي»؟