«لست متأكداً من تقييم بايرن ميونيخ وتوماس توخيل لبعضهما البعض بشكل صحيح منذ البداية». كلماتٌ قليلة لكن معبّرة جداً خرجت من القائد السابق لمنتخب ألمانيا لوثار ماتيوس، للدلالة على عمق المشكلة التي أقحم فيها ناديه السابق نفسه بتعاقده مع المدرب الذي أعلن أنه سيفكّ ارتباطه به في نهاية الموسم الحالي.الواقع لا يمكن تصوّر كيف سيكمل توخيل الموسم، وهو فقد السيطرة على كل شيء. فقدها في غرفة الملابس بصدامه مع عددٍ من نجوم الفريق، وفقدها على أرضية الميدان بخياراته الخطأ التي حوّلت البايرن من فريقٍ لا يُقهر إلى آخر في متناول الجميع.
المسألة لم تعد «لعنة ناغلسمان» بعدما ظلمت الإدارة المدرب الشاب وقررت إقالته فجأة، بل إن الخسائر التي لحسن حظ جمهور الفريق توقفت في نهاية الأسبوع الماضي بفضل النجم الإنكليزي هاري كاين، يتحمّل مسؤوليتها الأولى والأخيرة توخيل ولا أحد سواه، وطبعاً الإدارة التي اختارت مدرباً لا يلتقي مع ما يضمّه الفريق من لاعبين ولا يقرأ فيهم ما يمكن أن يبني عليه من أجل تطوير البطل الذي سيطر على الدوري الألماني 11 موسماً متتالياً.
الأمور تبدو سائرة من سيئٍ إلى أسوأ لأن النادي البافاري أعلن فشل توخيل في مهمته، وقد خرجت إلى العلن مؤشرات خلافاته مع اللاعبين، فكان أحد مساعديه «فشّة خلق» نجم خط الوسط جوشوا كيميتش بعد صدامٍ بينهما كاد أن يتطوّر بشكلٍ كبير.

كاره كيميتش وغوريتسكا
الواقع أن التوتر كان موجوداً أصلاً قبل الإعلان الأخير وقبل الهزائم الثلاث المريرة المتتالية التي سبقت الفوز على لايبزيغ مساء السبت، فقد بدا اللاعبون خائفون من خسارة الكرة لتفادي «البهدلة» من توخيل بحسب ما نقل مقرّبون عنهم. وهذا المشهد يعكس السبب في لعبهم بتحفّظ مبالغ فيه ولا يشبه أداء البايرن الجائع دائماً لتسجيل الأهداف، فكانت نقطة الضعف التي استغلها الخصوم لمهاجمة الفريق البطل وإسقاطه.
هناك قناعة لدى فئة كبيرة بأن توخيل لن يكمل الموسم مع البايرن


بطبيعة الحال، الصدام بدأ حتى قبل انطلاق الموسم، إذ جاء توخيل من إنكلترا بحساباتٍ خاصة، فأراد مثلاً التخلّص من أحد لاعبي الوسط الأساسيين، فلم تكن لديه أي مشكلة في بيع كيميتش أو ليون غوريتسكا، أو حتى ترحيل النمسوي كونراد لايمر سريعاً من أجل ضمّ لاعبٍ آخر، فكان واضحاً تفاديه إشراك الدوليين الألمانيين سويّاً على أرض الملعب، ما أضعف قوة البايرن في الثنائيات وحتى في الاستحواذ.
الواضح أن توخيل أراد لاعب وسط - مدافع، فكان الإنكليزي ديكلان رايس أغلى ثمناً مما أرادت الإدارة دفعه. وهذه الإدارة نفسها لم تكن مقتنعة بطلبه التعاقد مع البرتغالي جواو باليينيا من فولام الإنكليزي، فازداد حذره، وذهب إلى أفكارٍ دفاعية أكثر رغم أن الفريق يملك إمكانات هجومية كبيرة.

خيارات دفاعية كارثية
هو تذرّع بعدم وجود مدافعين أكفاء لديه من أجل تفادي اعتناق الهجوم، فكان أن استقدم الإنكليزي إيريك داير، وأيضاً من الدوري الإنكليزي الممتاز قادماً من توتنهام هوتسبر. لكن هذه النقلة لم تكن سوى وصفة طبيّة لا تستأصل المرض الأساسي، فبقيت المهازل الدفاعية حاضرة مع إصراره على إشراك الفرنسي دايو أوباميكانو الذي طُرد في مباراتين متتاليتين وتسبّب في ركلتَي جزاء أسفرتا عن خسارة فريقه.
هنا أظهر توخيل جُبناً لم يعرفه البايرن مع أي مدربٍ سابقاً، وأظهر إفلاساً في إيجاد الحلول، ورمى بموسم فريقه في دوامةٍ من الهزائم لا تنتهي، فأصبح في متناول أي خصمٍ أوروبي أو محلي، فكانت النقطة الإيجابية الوحيدة التي تحتسب له، ربما، هي إشراكه لاعب الوسط الشاب ألكسندر بافلوفيتش الذي أصبح مطلباً حتى في المنتخب الألماني بعدما برز بنشاطه وقدرته على التسجيل رغم أنه لم يتجاوز الـ 19 من العمر.
قد يتمكن توخيل من إنقاذ موسمه بشكلٍ أو بآخر، لكن يتفق كثيرون بأن التفاؤل لا يمكن أن يكون حاضراً بالنظر إلى تراكم الأخطاء والظروف المحيطة بالفريق وحالة التوتر التي يعيشها، إذ لا يمكن تخيّل كيفية تواصل اللاعبين مع مدربٍ لا يطيقونه أو كيف سيقتنعون بأفكاره أو ينفذون تعليماته، وبعضهم ترك مؤشراتٍ حول انتفاضةٍ لا يمانعها ضد المدرب.
فعلاً كان قرار إدارة بايرن ميونيخ بإعلان رحيل توخيل بهذه المدة المبكرة قبل نهاية الموسم، ناتجٌ من رغبة في تبريد الأجواء الحامية إلى أبعد الحدود بين المدرب ولاعبين يفوقونه بكل بساطة بنجوميتهم، وهم الذين ترصد أكبر الأندية أوضاعهم من أجل ضمهم إلى صفوفها.