في عالمٍ موازٍ، كان على الفرنسي بول بوغبا أن يخطو دربَ أساطير في كرة القدم. موهبة فذّة ظهرت في أكاديمية مانشستر يونايتد الإنكليزي وانفجرت رفقة يوفنتوس الإيطالي، لتنبئ تباعاً بولادة ظاهرة كروية واعدة. مزيج متكامل بين القوة الجسدية والمهارات، جعل «بوغبووم» يُتوج بجائزة الفتى الذهبي عام 2013.ظلّ بوغبا مع «اليوفي» من عام 2012 إلى عام 2016، فاز خلال هذه السنوات بسلسلة ألقاب منها 4 تتويجات متتالية في الدوري الإيطالي. مع ذلك، أراد الفتى الذهبي تحدياً جديداً، فعاد إلى «مسرح الأحلام» عساه أن يحقق حلماً لم يكتمل في صغره.
راهنَ مانشستر على متوسط الميدان الفرنسي، وسرعان ما أثبت بوغبا صحّة الرهان بقيادته الفريق إلى حصد بطولة الدوري الأوروبي (2016-2017) وكأس رابطة الأندية الإنكليزية المحترفة.
لقبان في الموسم الأول نبّآ بمسيرة واعدة لبوغبا، لكن ما حدث كان مغايراً. إصابات عديدة تعرّض لها اللاعب الفرنسي طيلة فترة تواجده في ملعب أولد ترافورد (من عام 2016 إلى عام 2022)، حالت دون ارتقائه إلى التطلعات. وترافق الأمر مع بعض المشاكل الشخصية، أبرزها مع المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو الذي أبعده عن التشكيلة لفترة.
على خلفية ذلك، «ضاعَ» بوغبا في مانشستر. قرّر اللاعب بعدها الذهاب إلى نادٍ آخر علّه يستعيد بريقه، فعاد إلى يوفنتوس من جديد. تأمّلَ في تورينو استرجاع شيء من ماضيه، على الأراضي التي أظهرت أفضل نسخة منه سابقاً، غير أن شبح الإصابات أبعده عن أغلب استحقاقات 2022-2023. وعندما لمسَ بوغبا تحسناً ملحوظاً في اللياقة، سقطَ في اختبار المنشّطات الذي خضع له بعد مباراةٍ بين يوفنتوس ومضيفه أودينيزي في 20 آب/أغسطس.
أعلن بوغبا أنه سيستأنف أمام محكمة التحكيم الرياضي


ظلّ بوغبا في ذلك اللقاء على مقاعد البدلاء. لم يشارك أمام أودينيزي. ومع ذلك، تم اختياره بشكل عشوائي للخضوع لاختبارٍ قلبَ مسيرته رأساً على عقب.
توجد قواعد لمكافحة المنشّطات داخل كرة القدم - والرياضة عموماً - بهدف ضمان عدم حصول أي شخص على ميزة تنافسية غير عادلة ولحماية صحة اللاعب. تضع الوكالة العالمية لمكافحة المنشّطات (WADA) قواعد تتّبعها غالبية المنظمات الرياضية حول العالم. لدى الوكالة قائمة بمواد وأساليب محظورة (تُحدَّث بانتظام) لا يُسمح للرياضيين باستخدامها إلا إذا كان لديهم سبب طبي مشروع، حيث يتم منحهم إعفاء الاستخدام العلاجي (TUE) حينها.
يتم إجراء الاختبارات بشكلٍ عشوائي وفي أوقاتٍ مختلفة، ما يعني عدم إعطاء اللاعبين أي تحذير بشأنها. وإذا فشل اللاعب أو رفض تقديم العينة أو تهرّب من الاختبار أو عبث به، فإن ذلك يُعتبر انتهاكاً لقواعد مكافحة المنشّطات، ما يستوجب معاقبة اللاعب، تماماً كما حصل في عام 2003 مع الإنكليزي ريو فرديناند.
غابَ المدافع عن اختبار المنشّطات حينها الذي كان من المفترض أن يحضره في ملعب تدريب مانشستر يونايتد. عليه، أدانت محكمة مستقلة فرديناند بتهمة سوء السلوك، وتم توقيفه تباعاً لمدة ثمانية أشهر (لم يتمكن من تمثيل منتخب إنكلترا في بطولة أوروبا 2004).
في حالة بوغبا، تم اكتشاف هرمون التستوستيرون الذي لا ينتجه الجسم في العينة المقدَّمة بعد مباراة أودينيزي. ويؤثر التستوستيرون على الجسم بعدة طرق مختلفة بما في ذلك تنظيم كتلة العظام، وتوزيع الدهون، وكتلة العضلات وقوتها. لهذا السبب يُحظر تناول كميات إضافية منه.


وبعد ظهور النتيجة، أعلنت المنظمة الإيطالية لمكافحة المنشّطات (NADO) عن إيقاف اللاعب مؤقتاً منذ 11 أيلول/سبتمبر، وتم فحص العينة «B» لبوغبا كإجراء احترازي لضمان عدم خطأ نتيجة الفحص الأول.
من جهتهم، أفاد المقربون من اللاعب، أن التستوستيرون يأتي من مكمّل غذائي وصفه طبيب استشاري لبوغبا في الولايات المتحدة، لكن بعد التحقيق واكتمال الأدلة، طبّقت محكمة مكافحة المنشّطات الإيطالية، أمس الخميس، العقوبة القصوى المنصوص عليها في القانون العالمي لمكافحة المنشّطات، فقامت بإيقاف بوغبا لمدة أربعة أعوام.
عقوبة أنهت نظرياً مسيرة «الفتى الذهبي»، إلا إذا عادت المحكمة بقرارها.
وأعلن بوغبا في حسابه على «إنستغرام» أنه سيستأنف أمام محكمة التحكيم الرياضي (كاس)، حيث كتب الفرنسي: «لقد أُبلغت اليوم بقرار المحكمة وأرى أن القرار ليس عادلاً، أنا حزين، ومكسور القلب لأن كل ما بنيته خلال مسيرتي كلاعبٍ محترف قد سُلِب مني». ثم تابع ابن الـ31 عاماً: «عندما أتحرر من القيود القانونية، ستصبح القصة كاملةً واضحة، لكنني لم أتناول أي مادة بشكلٍ متعمّد أو بنيّة متعمّدة تنتهك قوانين مكافحة المنشّطات». وأضاف: «كرياضيّ محترف، لن أقوم أبداً بأي شيء لتحسين أدائي باستخدام مواد محظورة كما لم أقم يوماً بتقليل احترام أو غش زملائي الرياضيين والمشجّعين في الأندية التي لعبت لها، أو ضدّها. نتيجة للقرار الصادر اليوم، سأستأنف أمام محكمة التحكيم الرياضي».
يتعيّن على اللاعب الفرنسي الآن الدفاع عن نفسه وإقناع القضاة بأنه لم يتناول أي موادّ محظورة عن عمد. إذا نجح في ذلك، فقد يتمكن من إحياء مسيرته مجدداً، وإن لم ينجح، فسوف يقفل بوغبا، بشكلٍ قسري، فصلاً كبيراً من مسيرةٍ لم ترقَ إلى وعود البدايات.