حين لوّحت واشنطن بخيار الانسحاب من سوريا في العام الماضي، تعالت بعض الأصوات السورية الكردية المنادية بوجوب البحث عن توافقات مع دمشق، قبل أن تنجح الرؤوس الحامية في استعادة زمام الأمور، لا سيّما مع تفريغ تصريحات الانسحاب من مضامينها لحسابات ترتبط بموازين القوى الأميركية في الدرجة الأولى. اليوم، يبدو المشهد مشابهاً، غير أن حسابات الرؤوس الحامية اختلفت بعض الشيء بفعل تكرار الصفعة الأميركية، ولو بدت صوتية حتى الآن. مع ذلك، هناك داخل «قسد» من يتمسّك بالرهان على واشنطن وبعض دول الاتحاد الأوروبي، أملاً في استنساخ ما حدث سابقاً من التفاف على قرارات الانسحاب. هنا تحديداً «مربط الفرس»، وفق تأكيدات مصادر أمنية سورية. تعزو المصادر، في أحاديث غير رسمية، «الفشل في الخروج بحلول تحصّن المصلحة الوطنية» إلى «سقوط البعض في فخ السراب الأميركي». تبدي المصادر حذراً واضحاً من الخوض في التفاصيل، أو الإدلاء بأي توقعات لما قد تؤول إليه الجهود الراهنة، باستثناء التأكيد أن «الفرص قائمة دائماً إذا كانت المصلحة الوطنية هي البوصلة الوحيدة».
تاريخ العاشر من الشهر الجاري هو «الساعة الصفر» المرجّحة لـ«بدء العمليات»
وفي المقابل، يرى مصدر سياسي كردي متابع لتطورات الحوار بين دمشق و«قسد» منذ سنوات أن «المسؤولية في إنجاح أي تفاوض هي مسؤولية مشتركة». وانطلاقاً من ذلك، يمكن «تصنيف أيّ لوم أحادي الجانب ضمن خانة التجنّي»، وفقاً للمصدر المقيم في الحسكة. وعلى رغم كل العثرات التي أعاقت، حتى الآن، الوصول إلى تفاهمات جوهرية بين الدولة السورية و«الإدارة الذاتية»، فإن قدرة الطرفين على التفاهم حول كثير من القضايا تجعل فرص نجاح أيّ وساطة جدية بين الطرفين قائمة. ولا تقتصر التفاهمات على بعض الملفات الخدمية والاقتصادية، بل تتعداها إلى «تعايش سلمي»، حيث لم يُسجّل خرق يُذكر منذ شهور طويلة في مناطق سيطرة مشتركة، ولو كان حضور أحد الطرفين فيها رمزياً. ولا ينطبق التفصيل الأخير على الحسكة فحسب، بل يشمل أيضاً محافظتَي دير الزور والرقة، علاوة على مدينة حلب التي يشكّل حي الشيخ مقصود حالة لافتة فيها. ولا يزال الحي المذكور أشبه بـ«منطقة إدارية ذاتية» مصغّرة برضى الدولة السورية. ومن المسلّم به أن تعثّر الجولات السابقة يرتبط بشكل كبير بتدخلات خارجية كبيرة، علاوة على تباينات في الآراء داخل كل طرف من الأطراف الفاعلة. وحتى الآن، يصعب الرهان على أن الجولة الحالية ستحظى بخاتمة مختلفة، لا سيما أن السمة الأساسية لمعظم الجولات أنها جاءت «تحت الضغط»، بما يجعلها أقرب إلى «ردّ الفعل». ولا يختلف الأمر كثيراً اليوم، خاصة أن المعطيات الميدانية لا توحي بأنها ستتيح للأطراف كثيراً من الوقت لـ«بناء الثقة»، في ظلّ مواصلة أنقرة العمل على استكمال تهيئة الأجواء لعدوانها المرتقب.
وعلاوة على الجهود السياسية التركية التي تعمل على ترتيب الأوراق مع كلّ من موسكو وواشنطن، تؤكد مصادر من داخل «الجيش الوطني» المحسوب على أنقرة أن «الاستعدادات العسكرية مستمرة». تشير المصادر، في حديث مع «الأخبار»، إلى تاريخ العاشر من الشهر الجاري بوصفه «الساعة الصفر» المرجّحة لـ«بدء العمليات». لكن ما يصعب الكشف عنه، وفق المصادر، هو «حدود المرحلة الأولى من العمليات». على المقلب الآخر، تؤكد مصادر من داخل «قسد» أن «الجاهزية عالية لصدّ العدوان، ومن يظن أنه قادم في نزهة سيكتشف خطأه سريعاً». لا تجد المصادر فائدة في مقارنة المشهد اليوم بما كان عليه عشية العدوان على عفرين. وتؤكد، في الوقت نفسه، أن «لكل معركة ظروفها العسكرية والسياسية طبعاً. والأرض ستكون مقبرة لغزاتها».