بعد نحو ثلاثة أشهر على بدء تحرك سعى من خلاله المبعوث الأممي، غير بيدرسن، إلى إعادة إحياء مسار «اللجنة الدستورية» المجمّد منذ عام 2022، عاد بيدرسن، مرة أخرى، ليعلن، بشكل غير مباشر، فشل هذا المسعى، ملقياً باللوم على «ظروف خارجية»، و«تحوّل سوريا إلى ساحة لتصفية صراعات إقليمية». وكان ذلك المسار قد تعطّل بعد رفض بيدرسن، في وقت سابق، تجاوز مشكلة مكان عقد الاجتماعات، وتمسكه المفرط بالموقف الأميركي الداعي إلى لأمها في جنيف، رغم رفض دمشق وموسكو هذه الأخيرة، على خلفية انحيازها إلى الدول المعادية لروسيا في الحرب الأوكرانية. ورأى بيدرسن، خلال جلسة لـ«مجلس الأمن»، أن الصراعات الإقليمية وضعت وزرها على سوريا، معرباً عن قلقه من «هذه الدوّامة الخطيرة والمتصاعدة»، بالإشارة إلى «ضربات الأول من نيسان على مقر ديبلوماسي إيراني في دمشق». وأضاف: «لا بد أنكم سمعتم أيضاً عن «الضربات التي شنتها إيران في 13 نيسان على إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، وردت تقارير عن مزيد من الهجمات في 19 نيسان في إيران والعراق وسوريا». ورأى أن مكامن الخطر ناجمة عن «عوامل خارجية» وأخرى داخلية تتعلق بالصراع الدائر على الأرض، متابعاً أنه «لا توجد علامات على الهدوء في أيٍّ من ساحات القتال، هناك فقط صراعات لم تُحَلّ، وعنف متصاعد، واندلاعات حادّة للأعمال العدائية، ويمكن أن تكون أيٌّ منها الشرارة التي تشعل حريقاً جديداً». كما شدد على أنه لا بد من «تهيئة بيئة آمنة وهادئة ومحايدة»، من أجل توفير مزيج من «خفض التصعيد والاحتواء»، مع استمرار تدفق المساعدات الإنسانية.غير أن بيدرسن أعاد طرح فكرته حول عقد اجتماع انتقالي في جنيف تمهيداً لاختيار مدينة أخرى، وقال: «أنا منفتح على أيّ مكان بديل لجنيف يحظى بإجماع الأطراف السورية والدولة المضيفة، ومشاركتي مستمرة في هذا الشأن»، داعياً إلى «استئناف الجلسات في جنيف كخيار انتقالي، وإلى قيام الأطراف بالتحضير من حيث الجوهر، بما في ذلك المقترحات الدستورية»، علماً أن هذه الدعوة قوبلت في وقت سابق بالرفض، ما يعني استمرار جمود هذا المسار، برغم الدعم العربي له. وكانت «المبادرة العربية» قد دعمت مسار «الدستورية»، وعملت على إعادة إحيائه، ضمن جملة من البنود الأخرى التي تتعلق بدعم عمليات إعادة الإعمار، وفتح الباب أمام عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى منازلهم، وهو ما قوبل برفض أميركي معلن، أدخل، بدوره، «المبادرة» في حالة جمود. وتحاول واشنطن خلق مسار بديل يربط عمليات إعادة الإعمار بـ«ثمن سياسي»، ويخلق مظلّة جديدة لاستمرار وجود القوات الأميركية غير الشرعية بذريعة ملف «محاربة المخدرات»، وهو أحد الملفات التي اتُّفق عليها وفق المبادرة نفسها، عبر تحرك جماعي بمشاركة الحكومة السورية لمواجهة وتفكيك شبكات التهريب التي استثمرت الفراغ الأمني الذي خلقته الحرب، لتنشيط عملها.
أعاد بيدرسن طرح فكرة استئناف الجلسات في جنيف كخيار انتقالي، وهي دعوة قوبلت في وقت سابق بالرفض


من جهته، قال المندوب السوري الدائم لدى «الأمم المتحدة»، قصيّ الضحاك، في الاجتماع نفسه، إن «الدول الغربية تواصل حرف مجلس الأمن عن ولايته ومنعه من الاضطلاع بمسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة أفشلت محاولات المجلس لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتعرقل مع حلفائها تحرك المجلس لوضع حدّ لاعتداءات الاحتلال على الأراضي السورية وضمان عدم تكرارها». ولفت إلى أن «جهود سوريا وشركائها بمن فيهم الأمم المتحدة تصطدم بالتحديات الناجمة عن الإرهاب والوجود غير الشرعي للقوات الأميركية والتركية على أجزاء من الأراضي السورية، ودورها المزعزع للاستقرار، ونهبها وعملاءها للثروات والموارد الوطنية»، فضلاً عن «الإجراءات الانفرادية القسرية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتفاقم معاناة الشعب السوري، وتحرمه الخدمات الأساسية، وتزيد معدلات التضخم والفقر والبطالة، وتعيق تمويل التنمية وتنفيذ مشاريع التعافي المبكر».
وفي وقت أعلن فيه ممثل الشؤون السياسية الخاصة الأميركية، روبرت وود، عن شعور بلاده بـ«الإحباط بسبب استمرار جمود الدستورية»، حاول الالتفاف على أسباب تعثر هذا المسار عبر الحديث عن مسألة المساعدات العابرة للحدود، والتي سمحت دمشق، من خلال قرار سيادي، بإدخالها، معتبراً أن «تمديد هذه الترتيبات في اللحظات الأخيرة، على مدى أشهر فقط، ليس وسيلة لمعالجة الحجم الهائل للاحتياجات الإنسانية واستمرارها في سوريا». وكانت تلك المساعدات الأممية قد شهدت انخفاضاً قياسياً جرّاء تراجع الدعم الذي تقدمه الدول المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، المشغولة بتقديم الدعم لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في غزة، ودعم أوكرانيا لمواجهة روسيا، وتايوان لمواجهة الصين، بالتوازي مع محاولة تشديد الحصار على سوريا عبر فرض قوانين عقوبات جديدة. وأكد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بدوره، أن العقوبات المشار إليها «تقوّض الجهود الإنسانية وتحدّ من قدرة دمشق على مكافحة الإرهاب»، مضيفاً أن بلاده «تشعر بخيبة أمل لأن الولايات المتحدة وحلفاءها ليست لديهم القوة لإدانة قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا». وقال: «من الواضح أن مثل هذه الإجراءات لا تتناسب أيضاً مع النظام السيئ السمعة الذي تروّج له واشنطن والقائم على القواعد المفروضة من قبلهم»، داعياً إسرائيل إلى «التخلّي عن هذا العمل الوحشي الذي تستخدم فيه القوة على أراضي سوريا وجيرانها».