وصلت أولى القوافل التي تحمل السوريين العائدين من لبنان طوعاً، بعد إعادة بيروت، بالتنسيق مع دمشق، فتح الباب الذي حاولت واشنطن، وعواصم نافذة في «الاتحاد الأوروبي» إغلاقه، الأمر الذي من شأنه أن يعطي دفعاً لدول أخرى تنتظر دورها. وأبرز هذه الأخيرة، الأردن الذي لا يزال يراقب بصمت، فضلاً عن تركيا التي أعلنت صراحة رغبتها بتنشيط هذا الملف بعد توافق، يمكن اعتباره سابقة، بين حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وحزب «الشعب الجمهوري» المعارض، على خريطة طريق لإنهاء أزمة اللاجئين. على أن توقيت عودة تسيير القوافل من لبنان نحو سوريا، تزامن مع فعاليات مؤتمر «بروكسل» حول سوريا، المخصّص لجمع الأموال من الدول المانحة، والذي قرّر لبنان تخفيض مشاركته فيه وجعله على مستوى وزير الخارجية فقط، في اعتراض مباشر على عدم توجيه الدعوة إلى الحكومة السورية، الطرف الرئيسي في هذه القضية. وسبق ذلك المؤتمر، انعقاد اجتماع في المجلس النيابي اللبناني، الذي ينعقد اليوم، بدعوة من رئيسه نبيه بري، بناءً على طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، لمناقشة قضية النازحين السوريين، ما يمكن اعتباره أيضاً سابقة، إذ تُعتبر هذه الجلسة الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.القوافل التي دخلت من معبري «جوسيه» نحو حمص، و«الزمراني» نحو القلمون، والتي ضمّت عشرات السوريين، هي جزء من سلسلة تقول مصادر أهلية إنها ستستمر خلال الفترة المقبلة، وتأتي في سياق الخطة اللبنانية - السورية التي تشارك فيها منظمات الأمم المتحدة، بعد أن ساهمت أزمة النزوح السوري في مضاعفة الأعباء على الاقتصاد اللبناني الذي عانى سلسلة من الانهيارات خلال الفترة الماضية. وتتوافق هذه الخطوة مع «المبادرة العربية» التي يشترك فيها الأردن والعراق ومصر أيضاً، ما يمكن أن يشكّل أساساً جديداً لإعادة هذه المبادرة إلى الحياة، وتجاوز العقبات الأميركية والأوروبية المتواصلة، خصوصاً أنها تأتي في وقت تستضيف فيه البحرين «القمة العربية»، التي تجري على هامشها سلسلة من اللقاءات السياسية على أعلى المستويات. وفي هذا السياق، التقى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الذي وصل إلى العاصمة البحرينية، المنامة، نظيره اللبناني، عبدالله بو حبيب، حيث ناقشا تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، والموضوعات المُدرجة على جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب، وعمل لجنة الاتصال الوزارية العربية حول سوريا، وتوفير الظروف المؤاتية للعودة الكريمة للاجئين السوريين إلى بلدهم، حسبما ذكرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا).
قالت «لجنة تحقيق أممية» إن العقوبات تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا


أيضاً، التقى المقداد، نظيره الأردني، أيمن الصفدي، وبحث معه تحضيرات «القمة»، بالإضافة إلى «المبادرة العربية»، فضلاً عن عمل «لجنة الاتصال»، والتي جرى تأجيل عقدها الذي كان مقرّراً الشهر الحالي في بغداد إلى موعد يُحدد لاحقاً، ومسألة اللاجئين التي تتضمّنها «المبادرة»، فيما لم تورد وكالتا «الأنباء السورية» أو «الأردنية» أي معلومات حول التوصل إلى اتفاق يفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين في الأردن في الوقت الحالي.
وبينما حرّك لبنان المياه الراكدة، وأعطى، عبر خطوة إعادة فتح باب العودة، دفعاً لـ«المبادرة العربية»، أعلن رئيس حزب «الشعب الجمهوري» التركي، أوزغور أوزيل، نيّة الحزب بدء مفاوضات مع الحكومة السورية بمشاركة «الاتحاد الأوروبي» و«الأمم المتحدة»، بهدف تحسين فرص العمل وتوفير الغذاء والسكن للعائدين من تركيا، وعدم الاكتفاء بتوفير المنازل التقليدية من الطوب، في المشاريع التي تبنيها تركيا بتمويل قطري على طول الشريط الحدودي بين البلدين، من الجانب السوري. غير أن التوافق بين الأحزاب التركية، وبرغم محدودية النتائج المتوقّعة منه - في ظل تمسك تركيا ببقائها العسكري غير الشرعي في الشمال السوري، وفشل المساعي الروسية - الإيرانية لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، في الوقت الحالي -، يمكن اعتباره تعبيراً مباشراً عن تفاقم أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، في ظل النقص المتزايد في المساعدات التي تقدّمها المنظمات الأممية جرّاء نقص التمويل المستمر، والناجم عن انشغال الدول المانحة (على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي) بدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، وإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبالإضافة إلى النقص الشديد في تمويل مشاريع الأمم المتحدة، والتي وصلت إلى حدود غير مسبوقة (لم تحصل حتى الآن سوى على 6% من التمويل المطلوب)، قالت «لجنة التحقيق الدولية» التابعة للأمم المتحدة الخاصة بسوريا، تعليقاً على منح السلطات السورية الإذن بإدخال المساعدات عبر معبري باب السلامة والراعي الحدوديين مع تركيا لثلاثة أشهر إضافية، إن العقوبات تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وأضافت اللجنة، في تغريدة نشرتها على موقع «X»، أنه «مع هذا التمديد فإن تسليم المساعدات معلق بخيط رفيع، حيث تعوقه العقوبات ونقص التمويل، على الرغم من أن الاحتياجات الإنسانية في سوريا هي الأعلى على الإطلاق». ويعيد ذلك إلى الأذهان المساعي الروسية - السورية المشتركة خلال السنوات الماضية لإنهاء هذه الأزمة عبر تنشيط مشاريع «التعافي المبكر» وفتح الباب لعودة اللاجئين، وهي مساعٍ حاولت، ولا تزال تحاول، الولايات المتحدة إجهاضها، بشتى الطرق الممكنة، عبر ربط هذا الملف بما تسميه «ثمناً سياسياً»، على الرغم من تفاقم مأساة اللاجئين جراء ذلك.