بينما ينشغل مقدمو برامج الـ«توك شو» على القنوات اللبنانية في بذل جهود حثيثة لإيصال غالبية حلقاتهم إلى انفجار بين طرفي الحوار، يلجأ زملاؤهم في تلك الحوارية الترفيهية إلى الطبخة نفسها لكن وفق مقادير مختلفة. هنا، نحن أمام ساعات تلفزيونية تعتبر استفزاز الضيف فرضاً مقدّساً لا يمكن أن تحيد الحلقة عنه مهما كلّف الثمن، حتى ولو اضطر المقدّم إلى إهانة ضيفه مثلاً. أما ملفات حياته الشخصية، فتكون عرضة للاستخدام في أي لحظة من دون «إحم أو دستور».
ولن تتوانى تلك البرامج عن إيقاع الضيف في الفخ المنتظر من خلال إطلاق تصريحات ضد زملائه وتوجيه أصابع الاتهام لهم، أو توريطه نتيجة الإلحاح في تقييم أعمال زملائه. كل ذلك نجده بحذافيره في برامج مثل «المتهم» (الأحد ــ 21:40 على lbci) مع رجا ناصر الدين ورودولف هلال، و«بلا تشفير» الذي يقدّمه تمام بليق على تلفزيون «الجديد» (الأربعاء ــ 21:20). أفضل ما حققه بليق القادم من استديوهات الإذاعة عبر برنامجه أنّه دفع المغنية مي حريري لرشقه بفنجان القهوة، عندما اتهمها بأنّها كانت تعمل راقصة. فما كان منها إلا أن هاجمته بجمل غير محسوبة بينها: «شو مفكرّني من عرب المسلخ». كلام سرعان ما أثار غضب عرب المسلخ في لبنان، قبل أن تستثمر «الجديد» الموضوع أفضل استثمار عبر نشرة الأخبار، وبرنامجها «للنشر» (الاثنين ــ 20:40). على المنوال نفسه، سارت غالبية حلقات البرامج من دون أن تحقق البريق المطلوب عند استضافة سياسيين مثل وزير الداخلية السابق مروان شربل، والعميد المتقاعد المدان بالعمالة لإسرائيل فايز كرم.
في الحلقة الأولى من الموسم الثاني، عاد بليق أخيراً بالحلّة نفسها، ولو أدخل بعض التعديلات السطحية كلون بدلته وشكل الاستديو. الضيفة هذه المرّة كانت الفنانة ليال عبود التي لم تتوان عن توجيه الشكر «لجمهورها!»، ومن ثم راحت الحلقة تهوي نحو الاتهامات بالاعتماد على إيحاءات جنسية مبتذلة، وحركات غير محسوبة لمذيع كاد أن يظهر تأثره بجرأة ملابس ضيفته على طريقة «مراهق مكبوت». وفي النهاية، وصلت الأمور إلى الفضائحية مع اتهام عبود علناً بأنها اختلفت مع شخص يعمل معها، انتهى بممارسة الجنس معه (الأخبار 27/2/2015).
بطريقة مغايرة، يصر برنامج «المتهم» على تقليل احترام الضيف ودفعه لقول ما يثير الزوابع، أو استدراجه لتوجيه أصابع الاتهام نحو زملائه، قبل أن يعترف له المقدّمان في نهاية بحبهما الشديد. كل ذلك، وسط مفردات ناجحة وهوية بصرية جديدة تتفق مع الفكرة، لا سيّما أنّها تضع الضيف في قفص الاتهام، وتملي عليه أداء اليمين والتعهد بقول الحقيقة. في مثال صارخ على ما سبق، لم ينفع تهذيب المغنية اللبنانية أمل حجازي بوجه الاتهامات العديدة، لكن الغريب هي مرافعات رجا ورودولف في وجه رأيها السلبي بالدراما اللبنانية، واتهامها بالإساءة إلى «الثروة الوطنية والأمن القومي»! لماذا؟ لأنّها صرّحت ذات مرّة أن الدراما اللبنانية «فاشلة»، كأن الصفة لا تليق ببعض المسلسلات التي لا تجرأ حتى اليوم على الدخول إلى كواليس المستنقع السياسي الذي تغرق فيه البلاد مثلاً. الأخذ والرد دفعا رجا ناصر الدين إلى الصراخ في وجه صاحبة أغنية «آخر غرام» التي قرّرت عدم إجابته قبل خفض صوته، وأخبرته أنّها باقية في الاستديو كرمى لزميله فقط. أما في حلقة ماريا معلوف الأحد الماضي، فلم يكن هناك داعٍ لوصفة البرنامج الاستفزازية طالما كنّا أمام سيّدة معدّة سلفاً للانحدار بمستوى الحلقة بمساعدة المقدّمين، نحو تعميم ساذج ونقاش عائم في شؤون سياسية. وما زاد الطين بلة، تمثيلية الإغماء في اللحظات الأخيرة. كل ذلك خدم مسألة الجماهيرية، خصوصاً أنّ هناك معلومات تُفيد بتوجيه رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، بيار الضاهر، تنبيهاً إلى القائمين على البرنامج لضرورة رفع نسبة المشاهدة.
1 تعليق
التعليقات
-
برامج مسخرةلا أعرف من صاحب الأفكار "العبقرية" في تلك البرامج المذكورة أعلاه في المقال. أوافق الكاتب على كل ما كتبه وذكره، ولكن يبدو أنه فاته التعليق على تفاعل الناس مع هذه البرامج عبر تعليقاتهم على اليوتيوب مثلاً. هناك، ترى العجب العجاب! معظم المعلقين مؤيدون لكل هذا العته والجنون والمسخرة مع الأسف! هذا يمدح "البرنامج الجريء"، وذاك يتغزّل بـ"رسالة البرنامج الغير شكل"، وثالث يحيي المذيعين على أنهم كشفوا فلان وفلانة على حقيقتهم وأفحموهم وأحرجوهم! أهم شيء اليوم لدى الشعب العربي هو أن الفنان الفلاني والفنانة العلانية تم إحراجهم و"كشفهم على حقيقتهم"! هذا أهم من داعش واسرائيل ودمار مدينة نمرود الآشورية! النكتة الأكبر، هي أنني إن "غلطت وكفرت" وعلّقت على تلك البرامج أنها سخيفة وتافهة، ليهاجمني "جمهور البرامج الوفي لها" بأنني لا أفهم أي شيء برسالة تلك البرامج "الهادفة والخلاّقة"، وسألني أحدهم متهكماً: "من أي كوكب إنت؟" بالفعل... من أي كوكب أنا؟! يبدو أنني كائن غريب فضائي يسكن كوكب المجانين هذا! "الجمهور عاوز كده"! الجمهور العربي وصل إلى مرحلة الهسترة والجنون، المتصاحبين مع مراحل التطرف والكفر والإلحاد والفقر والجوع والجهل والهوس الجنسي، والتي حصل بها جميعاً على شهادات ماجستير ودكتوراه. إذا كان هذا هو جمهورنا، فلا تلوموا "المتهم" و"بلا تشفير". بالمناسبة، حسناً فعل الكاتب بالتعليق على بذلة تمام بليق! قليلة هالموديل وهالياقات اللي ذكروني بملابس شخصية "الجوكر" بأفلام "الرجل الوطواط"!