مقالات مرتبطة
-
كذبة أوباما: النهاية! نادين شلق
هنالك نفاق في مواقف الكثير من المنحازين لأي من الطرفين
ما الذي يعني قارئ العربية في كل ذلك؟
أولاً: نحن أمام عالم متغيّر، قد يؤدي صعود النزعة القومية الحمائية ذات السمات الإقصائية في بلده الأقوى إلى شرعنة وفتح المجال أمام إطلاق نزعات مشابهة نجد بعض مخاضاتها المبكرة في أوروبا، وبعض تجلياتها الواضحة في روسيا والهند وتركيا والفيليبين ومصر. عودة لفكرة الأمة منزوعة من أي صيغ ايديولوجية كونية، ومصحوبة بصورة الرجل القوي ومعه الخطاب الذكوري الإقصائي عن الـ"نحن" والـ"هم". سيتكرس عندها تراجع أفكار من قبيل الديموقراطية وحقوق الإنسان وحماية البيئة وغيرها من تمثلات النزعة الليبرالية الغربية، لصالح سياسات قومانية سلطوية تشبه ما عرفه العالم في حقبة الحربين العالميتين.
ثانياً: فوز الديموقراطيين قد يوقف هذه النزعة ويسمح بوقت للتنفس لكنه أيضاً سيعيد بقوة طرح أسئلة مهمة مثل كيف انطلقت هذه النزعات في بلدان تتفاخر بتراثها الديموقراطي ــ الليبرالي، وكيف يمكن التعاطي مع وضع عالمي مولّد لهذه النزعات، إمّا على شكل حركات دينية عنيفة أو قومية غاضبة يمكنها أن تنتقل إلى الممارسة العنيفة في مرحلة مقبلة. وشخصية مثل هيلاري كلينتون يصعب أن تقدّم إجابة مفيدة عن أسئلة من هذا النوع، وبالتالي حلّاً لإشكالية تتعمق في عالم غيّرته العولمة، ويعيد الانترنت صياغة علاقاته ومؤسساته.
ثالثاً: ربما آن الأوان للشرق الأوسط أن يستفيق من وهم المراهنة على ما سيقرره الغرب حول مستقبل هذه المنطقة، ومغادرة خطاب التشكي الذي يلوم الولايات المتحدة على كل شيء، وعلى الشيء ونقيضه، بما في ذلك إخفاق الربيع العربي أو إشعاله، صناعة "داعش" أو محاربته، معاداة إيران أو التفاهم معها، أو خطاب الاتكال الذي يتصوّر أن المشاكل المعقدة لمنطقة في مخاض تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية هائلة يمكن حلها من خلال نوع القرارات التي يتخذها الشخص الجالس في مكتب الرئيس في البيت الأبيض. ما يحدث في الشرق الأوسط ليس منفصلاً عما يحدث في العالم، لكن ارتباطه بما يحدث في العالم لا يجعله رهينة لأشياء تحصل في مكان آخر، بما في ذلك الانتخابات الأميركية.
على الهامش، هنالك نفاق شرق أوسطي في مواقف الكثير من المنحازين لأي من الطرفين. مثلاً، في نقد الإسلاميين للموقف "التمييزي" الذي يتبناه ترامب ضد المسلمين وهم يمارسون أو يتبنون مواقف مشابهة في بلدانهم من تمييز تجاه غير المسلمين وتضييق تجاه من يغايرهم من المسلمين. وبنفس القدر، هنالك نفاق في دعم بعض العلمانيين لترامب بسبب موقفه المتشدد تجاه "الراديكالية الإسلامية" ودعمه للمستبدين العلمانيين في المنطقة، متناسين المنطلقات الثقافية الإقصائية التي يحتويها خطابه والتي تعد بإنتاج كراهيات وعصبيات لا تختلف كثيراً عن تلك التي ينتجها الإسلاميون.)
باختصار، لا تكمن القيمة الأساسية لهذه الانتخابات بالنسبة إلينا في ما سيفعله أيٌّ من المرشحين، في حالة الفوز، تجاه منطقتنا، على أهمية ذلك، بل في ما سيعنيه صعود أو هبوط أيٍّ من التيارين المتصارعين في عالم لا تزال الولايات المتحدة محركه المركزي.
*باحث عراقي