كما أن خامنئي لم يتأخر في تنصيب خليفة لـ«الحاج قاسم»، إذ كلّف بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد العميد إسماعيل قاآني بشغل المنصب. وجود المرشد في صدارة المشهد الإيراني اختُتم، أمس، بزيارة لمنزل عائلة الشهيد سليماني فور انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومي، مؤدّياً واجب العزاء بـ«الفريق»، الرتبة الجديدة التي منحت للقائد الشهيد. ومن المنتظر، بحسب وسائل الإعلام الإيرانية، أن يؤمّ خامنئي، غداً، الصلاة على جثمان «الجنرال»، قبل أن يُنقل ليدفن في مسقط رأسه في محافظة كرمان جنوب شرق إيران.
تفاصيل ما قام به المرشد في الساعات التالية لعملية الاغتيال، والتي أظهرت تعاطياً مختلفاً من قِبَل الرجل الأول في الجمهورية الإسلامية، مقارنة بكثير من الأزمات التي شهدتها البلاد أو عاشها حلفاؤها في المنطقة، هي أدنى المؤشرات على خطورة المرحلة التي تمرّ بها طهران، إذ وضعت واشنطن بعملية الاغتيال النفوذ الإقليمي لإيران في دائرة الاستهداف المباشر، بعدما كانت تسعى إلى إجبار الإيرانيين على إنهائه بطريقة غير مباشرة من خلال الضغوط الاقتصادية، التي طمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أن تؤدي إلى دفع القيادة الإيرانية لقبول الجلوس إلى مائدة التفاوض، ومناقشة النفوذ الممتدّ من طهران حتى غزة، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
طهران، من جهتها، بدت مدركة هدف واشنطن من رفع مستوى المواجهة؛ إذ أكد خامنئي، في كتاب تكليف قاآني بقيادة «قوة القدس»، أن «برنامج عمل تلك القوة هو نفس البرنامج الذي كان في فترة قيادة الشهيد سليماني». كما أن البيان الصادر عن المجلس الأعلى للأمن القومي، بعد انتهاء اجتماعه الذي استمرّ أكثر من خمس ساعات، توعّد أميركا بأن «تكون منطقة الشرق الأوسط بأسرها ساحة للردّ على هذه الجريمة». وفي هذا السياق، أشار رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان، مجتبى ذو النور، إلى وجود 36 قاعدة أميركية تحت مرمى نيران إيران، مؤكداً أن بلاده تمتلك بكلّ سهولة القدرة على توجيه ضربة قوية لتلك القواعد.
استمرّ اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي أكثر من خمس ساعات
على هذه الخلفية، يرى مراقبون أن لهجة الموقف الإيراني تُشير إلى أن طهران لن تتوانى، على رغم ما حصل، عن الحفاظ على نفوذها ومصالحها في المنطقة. لكن إزاء الإصرار الأميركي المقابل على إنهاء الوجود الإيراني في الإقليم، يقفز السؤال عما إذا كان الاشتباك بين الطرفين سيبقى على مساحة الإقليم الممتدّ خارج الأراضي الإيرانية، أم أن أميركا ستعمل مستقبلاً أمام الفعل الإيراني المستمر في ساحات المنطقة على رفع سقف هذه المواجهة، لتصل إلى مرحلة استهداف الأراضي الإيرانية مباشرة؟