بالتوازي مع ذلك، هدّد وزير الدفاع البريطاني، بين والاس، روسيا بـ«حرب دموية جدّاً جدّاً»، إنْ هي أقدمت على «خطوة خاطئة»، لكنه طمأن إلى أن الأسلحة التي أُرسلت إلى أوكرانيا «دفاعيّة محض ولا يجب أن تشكّل أيّ تهديد لروسيا»، مضيفاً أنه «ما زال يأمل أن تسود الديبلوماسية بدل الصراع». وسبق هذا التهديدَ إبلاغُ والاس أعضاء مجلس العموم البريطاني، الذي تسيطر عليه أغلبية يمينية ذات مزاج مُعادٍ لموسكو، بأن الحكومة البريطانية اتّخذت قراراً بتزويد كييف بأنظمة أسلحة دفاعية خفيفة ومضادّة للدروع، لكن جنود «جلالة الملكة» لن ينخرطوا مباشرة في أيّ قتال محتمَل، بالنظر إلى أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف «الناتو». وكان رئيس الحكومة، بوريس جونسون، اتّفق مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، على حزمة من العقوبات الاقتصادية (غير المسبوقة) ضدّ روسيا في حالة وقوع الحرب.
يبدو السلوك البريطاني حيال الأزمة الأوكرانية «مغامرة» لا طائل منها
وتأتي هذه التطوّرات في وقت لا تزال فيه روسيا تُقلّل من أهمية المزاعم الغربية في شأن غزوها المحتمَل لأوكرانيا، مُدافِعةً بأن انتشار قواتها على الحدود بين البلدَين يتخّذ صفة التدريب والاستعداد لمواجهة أيّ محاولة من قِبَل «الناتو» للتوسُّع في اتّجاهها، مع أن هذا الحشد العسكري يُذكّر بالمشهد الذي سبق دخول روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014. وفيما تبدو موسكو مُصمّمةً على نيْل مطالبها التي كانت تَقدّمت بها إلى الجانب الأميركي، لا يَظهر أن لدى واشنطن وحلفائها لا الإرادة ولا القدرة على التورّط في أيّ مواجهة مباشرة مع الروس من أجل أوكرانيا؛ بالنظر إلى التفوّق الاستراتيجي - أقلّه جغرافياً - لمصلحة روسيا، واستحالة تطوُّر أيّ مواجهات عسكرية تقليدية إلى حرب نووية ستكون خسارة محتّمة للطرفين. وعليه، فإن خيارات الولايات المتحدة تظلّ محدودة في إطار الإزعاج والضغط، اللذين قد يدفعان بالكرملين في النهاية إلى تنفيذ غزو محدود للمناطق الشرقية من أوكرانيا، وضمّها بقوّة الأمر الواقع، على رغم أنه ليس لدى فلاديمير بوتين طموحٌ إلى استعادة السيطرة على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، لا سيّما وأنها مناطق فقيرة تعاني من اختلالات بنيوية ومشاكل اجتماعية كبرى ستكون عبئاً لا مكسباً. وليست أوكرانيا استثناءً من ذلك؛ إذ تَحوّلت إلى ما يشبه دولة فاشلة، يحكمها متطرّفون نازيّو التوجّهات، وتعاني مشاكل اقتصادية هائلة ونقصاً في إمدادات الطاقة، وهو ما لا يبدو أنه يزعج بوتين، فيما تشكّل تداعياته حتماً مصدر إقلاق لأوروبا.
إزاء ما تَقدّم، يبدو السلوك البريطاني حيال الأزمة الأوكرانية «مغامرة» لا طائل منها، فيما يكاد المراقبون يُجمِعون على أن الحكومة الحالية وَجدت في قرع طبول الحرب وسيلة لالتقاط الأنفاس، في ظلّ تزايُد الضغوط عليها لتقديم استقالتها، بعد سلسلة من الفضائح والانتكاسات والأزمات. لكن ذلك لا يَظهر غريباً على أداء النُخبة الحاكمة اليمينية في لندن، والتي تحاول لعب دور أكبر بكثير من قدرتها الاستراتيجية.
محادثات «صريحة»... ولقاءٌ جديد الأسبوع المقبل
اتفق الروس والأميركيون على الالتقاء «الأسبوع المقبل»، في ختام محادثات «صريحة»، أمس، حول الأزمة بين روسيا والغرب، بشأن مسألة أوكرانيا، والتي لا تزال مهدّدة بالتصعيد، في ظلّ التعزيزات العسكرية الروسية على الحدود مع هذا البلد.
واللقاء الذي عُقد بين وزيري الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والأميركي، أنتوني بلينكن، هو آخر محطّة ضمن مساعٍ ديبلوماسية مكثّفة بدأت بمحادثتين عبر الإنترنت بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي، جو بايدن، في كانون الأول.
ووصف بلينكن المحادثات بأنّها «صريحة وجوهرية»، مشيراً إلى قدرٍ من الانفراج بعد أسابيع من التصعيد في التصريحات. وطلب من روسيا أن تثبت أنها لا تنوي اجتياح أوكرانيا، مشدّداً على أنّ «وسيلة جيّدة لذلك ستكون سحب قواتها عن الحدود الأوكرانية».
من جانبه، أعلن لافروف، بعد محادثات استمرّت أقلّ من ساعتين بقليل، أنّه ووزير الخارجية الأميركي «متوافقان على ضرورة إقامة حوار منطقي»، كي «يتراجع الانفعال».
واتفق لافروف وبلينكن، على أن تقدّم واشنطن «الأسبوع المقبل» رداً خطياً على المطالب الروسية، غير أنّ الوزير الأميركي لم يوضح إن كانت بلاده ستردّ على جميع بنود المطالب الروسية المفصلة. إلّا أنّه حذّر من أنّ واشنطن ستردّ على أيّ هجوم روسي على أوكرانيا «حتى لو لم يكن عسكرياً».
ولخّص لافروف الأمر بالقول إنّه في ما يتعلق بجوهر المسألة «لا أعرف إن كنّا على الطريق الصحيح»، فيما صرح بلينكن قائلاً: «إنّنا الآن على الطريق الصحيح لفهم مخاوف ومواقف كلّ منا».
(أ ف ب)