على رغم الإشارات المتكرّرة إلى احتمال تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تركيا، يبدو أن «حزب العدالة والتنمية» ركن، أخيراً، إلى التزام المواعيد الدستورية، تجنُّباً لإرباك هو في غنى عنه. وإنْ كان زلزال السادس من شباط قد أعاد خلط الأوراق، يَظهر أن الحملة الانتخابية لتحالف السلطة ستتركّز فقط على هذه القضيّة، وعلى خطّتها لـ«تضميد الجراح» في غضون عام واحد، فيما لا تزال المعارضة تنتظر تحديد الموعد النهائي للاستحقاق لتسمية مرشّحها الذي سيكون أحد أعضاء «حزب الشعب الجمهوري»؛ فإمّا رئيسه كمال كيليتشدار أوغلو، أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو
وسط مواصلة تركيا أعمال إزالة الأنقاض وتأمين مساكن، ولا سيما الخيام، للذين دُمِّرت منازلهم، خرج خبير الزلازل، ناجي غورير، محذّراً من أن زلزالاً كبيراً يمكن أن يضرب مدينة إزمير، بعدما ضرب زلزال جديد قوّته 5.3 درجات قرية بور في محافظة تيغده إلى الشمال من أضنه، في الساعة 11:27 بتوقيت بيروت، ظهر السبت الماضي، لم يُسفر عن أيّ خسائر، وإنْ أحدث هلعاً متجدّداً، كونه مستقلّاً عمّا سبقه من زلازل. وفي هذا الوقت، كانت مساحة الحديث عن الانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة تتّسع، في ظلّ الإشارات المتكرّرة إلى أن مسألة التأجيل لم تَعُد واردة، نظراً إلى ما ستحدثه من بلبلة دستورية، فضلاً عن أنها ستخلق انطباعاً بأن «حزب العدالة والتنمية»، ورئيسه رجب طيب إردوغان، يتهرّبان من مواجهة المسؤولية إلى حين لملمة آثار الزلزال. وحين سألت صحافية يونانية، رئيس مديرية الاتصالات في القصر الجمهوري، فخر الدين ألتون، عمّا إذا كان في نيّة الحزب الحاكم تأجيل الانتخابات، أجاب: «هذا الأمر ليس على جدول أعمالنا». لهذا، بات موعد الانتخابات محصوراً إمّا في موعده المقرّر في آخر يوم أحد من المهلة الدستورية، أي في 18 حزيران، أو في 14 أيّار، وهو ما يتطلّب أيضاً تعديلاً دستوريّاً بغالبية الثلاثة أخماس، أي 360 نائباً من مجموع 600. وكان الرئيس التركي يميل إلى تقديم موعد الانتخابات، وإجرائها في 14 أيار، نظراً إلى ما تحمله هذه المناسبة من ذكرى انتصار «الحزب الديموقراطي» التركي، بزعامة عدنان مندريس، في ذلك التاريخ من عام 1950 على «حزب الشعب الجمهوري» بقيادة عصمت إينونو، والذي ظلّ في السلطة منذ وفاة أتاتورك في عام 1938، إلى حين هزيمته في ذلك العام.
لكنّ زلزال السادس من شباط أعاد خلط الأوراق، ومعها تقييم المرحلة وموعد إجراء الانتخابات. وفي هذا الجانب، تقول صحيفة «صباح» الموالية، إن «حزب العدالة والتنمية» سيعيد النظر في كلّ ما ورد في بيانه الانتخابي السابق من الشعار إلى أغاني الحملة وعدد المهرجانات وحجمها وقضايا البيئة والزلازل وإعادة الإعمار، وإنه «سيعمل على تضميد الجراح بسرعة، والبدء في الإعمار وإعادة المهجّرين إلى بيوتهم أو المدن الجديدة التي سينشئها». وتذكر الصحيفة أن غالبية أركان الحزب ترى أن التاريخ الأنسب للانتخابات هو 14 أيار، مضيفة أن بيانه الجديد سيتضمّن تفعيل «خطّة العمل العاجلة ضدّ الزلازل» في 81 محافظة تركية، ولا سيما في إسطنبول التي وضعها رئيس بلديتها السابق، قادر طوب باش، من دون أن تجد طريقها إلى التطبيق. وسيطمئن البيان، المواطنين إلى أن «العدالة والتنمية» سيتّخذ كلّ الإجراءات اللازمة للمحافظة على مستوى معيشي مقبول، وسيركّز بالتالي على البعدَين الاقتصادي والمالي، لافتةً إلى أن غالبية المهرجانات ستُلغى، على أن يقتصر الحضور في المهرجانات التي ستقام، على الحدّ الأدنى من الأشخاص.
يقول إردوغان إنه لا يمكن إعادة الإعمار خلال سنة، إلّا إذا كان هو في السلطة


من جهتها، تؤكد صحيفة «ميللييات» الموالية، أن الانتخابات ستُجرى في 14 أيار، وأن إردوغان سيركّز حملته على زيارة مدن الخيام والمستوعبات (كونتينيرات) التي أقيمت للنازحين الأتراك، بدلاً من المهرجانات. لكنّ صحيفة «قرار» المعارضة، تقول، نقلاً عن مسؤول حكومي رفيع المستوى، إن هناك ميلاً لإجراء الانتخابات في 18 حزيران، وتغيير شعار «العدالة والتنمية»، من «كفى. الكلمة للأمّة»، إلى «لنبنِ تركيا معاً». ويرى إردوغان وشريكه، رئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهتشلي، في 14 أيار موعداً قريباً، لذا يؤيّد الزعيمان إجراء الاستحقاق في 18 حزيران، باعتباره، وفق المسؤول الحكومي، «فرصة لمعالجة المزيد من الأضرار» التي نتجت من الزلزال، مشيراً إلى أن «احتمال فوز إردوغان وتحالف الجمهور يبدو عالياً».
في المقابل، يرى المفكّر البارز، إيمري كونغار، في صحيفة «جمهورييات»، أن تأجيل الانتخابات ليس وارداً، نظراً إلى الموانع الدستورية. وبحسبه، فإن إردوغان «يواجه تحدّياً كبيراً في أن يضطر لإجراء الانتخابات في موعدها، وما يحمله ذلك من انطباع أنه سيخسرها». وفي الإطار نفسه، يكتب مراد يتكين أن الزلزال أَجبر إردوغان على تغيير تكتيكه الانتخابي، وأن الأخير سيرفع شعار «أنا الذي سأصحّح الأمور، وخلال سنة». وبحسب يتيكن، فإن حملة الرئيس التركي تستند إلى مواجهة التحدّيات الجديدة، والتي يلخّصها بالآتي:
1- تحدّي أن جدول أعمال تركيا الوحيد الآن هو الزلزال. وما لم تطرأ مستجدّات مفاجئة، فإن الشعار هو التركيز على الزلزال، والزلزال فقط.
2- تحدي الاتهامات التي تقول إن «إدارة الكوارث» لم تكن جاهزة منذ اللحظات الأولى، وإن الجيش وصل متأخراً إلى مكان الزلزال.
3- عكست المساعدات الدولية من دول متخاصمة مع تركيا، من مثل أرمينيا واليونان وإسرائيل، انهيار خطاب عداء القوى الخارجية الذي كان يرفعه «العدالة والتنمية»، وهذا تحدٍّ آخر.
4- تحدّي الانطباع السائد بأن نواب «العدالة والتنمية» خافوا من الخروج من منازلهم بعد الزلزال حتى لا يواجهوا غضب الشعب.
5- لا عجز الآن بعد التبرعات لموازنة الانتخابات، وبالتالي، لا مجال للاستثمار الانتخابي، والقول إن مالاً يُدفع من الموازنة لكسْب أصوات الناخبين.
وأكثر من ذلك، فإن إردوغان يقول إنه لا يمكن إعادة الإعمار خلال سنة، إلّا إذا كان هو في السلطة وعبر الشركات المقرّبة منه. ولم يبقَ من ورقة «رابحة» بيد الرئيس التركي، إلّا أن يزور المساكن الجاهزة الجديدة، وهو حدَّد الإعمار بسنة واحدة ردّاً على المعارضة التي حدَّدت في برنامجها الانتخابي، قبل الزلزال، تصحيح أوضاع البلاد خلال خمس سنوات. وإذا لم ينجح في ذلك، يعيد تكرار القول إن «القوى الخارجية» عملت ضدّه.
وسيعقد «تحالف الأمّة» المعارض، من جهته، الجمعة، اجتماعه للبحث في مرشّحه لرئاسة الجمهورية. ومع أنه لا يزال مستبعداً أن يعلن عن اسم مرشّحه قبل أن تحدّد السلطة الموعد النهائي للانتخابات، فإن رئيس «حزب السعادة»، تيميل قره موللا أوغلو، قال، في حوار تلفزيوني، إن التحالف سيبحث في اسم «يمكن أن يُنتخب» رئيساً للجمهورية، متحدّثاً، للمرّة الأولى، عن وجود ثلاثة أسماء يتم التداول بها، وكلها من «حزب الشعب الجمهوري»، وهي: رئيس الحزب كمال كيليتشدار أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو. كما واصلت قوى المعارضة اتهام السلطة بالتقصير، وبرز قول زعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، خلال جولة تفقّدية في منطقة الزلزال، إن «المركز الرئيس للزلزال لم يكن في قهرمان ماراش، بل بش تبه (التلال الخمس)»، وهو الاسم الذي يُطلَق على القصر الرئاسي.
وفي وقت قالت فيه صحيفة «حرييات» الموالية، إن 18 ألف لاجئ سوري تركوا مناطق الزلزال وعادوا طواعية إلى بلادهم «بشكل نهائي»، أثارت آقشينير مسألة اللاجئين، قائلة: «لقد حان الوقت لحلّ مشكلة اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم»، ذلك أن «الهجرة الكبيرة من مناطق الزلزال تثير حدوث مشكلات سكانية خطيرة وبيع أملاك وأماكن سكنية للأجانب». لكنّ رئيس «حزب ظفر»، أوميت أوزداغ، ذهب بعيداً في عدائه للاجئين السوريين وللعرب، بتغريدة عنصرية قال فيها إن «قدر الجغرافيا بالنسبة إلى تركيا أن تكون أمام الصفيحة العربية التي تدفع بالصفيحة التركية وأمام احتلال اللاجئين السوريين».