واكتسبت العلاقات الإيرانية مع فنزويلا، زخماً كبيراً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في ظلّ رئاسة هوغو تشافيز، مدفوعةً بالتضييق الأميركي على البلدَين. إلّا أنّه، وحتى بعد محاولة واشنطن الأخيرة «الاستدارة» نحو مادورو، في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، - بعدما كانت مصرّة لسنوات على عدم الاعتراف بشرعية حكومته -، فلم يُكتب لاستكمال «إصلاح» هذه العلاقات النجاح. آنذاك، جاءت محاولة التقارب هذه مدفوعة بحاجة واشنطن إلى تنويع واردات النفط في أعقاب الحظر الذي فرضته على واردات النفط والغاز القادمة من روسيا، إلّا أنّ الخطوات الأميركية اللاحقة، والتي كان أبرزها استبعاد فنزويلا، إلى جانب كوبا ونيكاراغوا، من قمّة الأميركيتَين التي استضافتها في لوس أنجليس، في حزيران عام 2022، بذريعة «الحكم الاستبدادي في هذه الدول»، قوّضت الجهود الأميركية لإحداث خرق في العلاقات، إذ إنّ الشعور بـ«الإهانة» لم يقتصر على الدول المعنية فقط، بل إن دولاً لاتينية أخرى ندّدت بهذه الخطوة، على غرار المكسيك، التي استرجعت، على إثرها، «الذكريات المؤلمة حول تدخُّل واشنطن القاسي تاريخياً في شؤون أميركا اللاتينية»، بحسب مجلة «ريسبونسبل ستيتكرافت» الأميركية. كذلك، ظلّت واشنطن مصرّة على دعم زعيم المعارضة، خوان غوايدو، والاعتراف به كـ«رئيس شرعي» لفنزويلا، على الرغم من تخلّي المعارضة الفنزويلية نفسها عنه في كانون الأول عام 2022، وانعدام أيّ حظوظ له بتولّي أيّ سلطة فعلية في البلاد.
الوجود الإيراني القوي في القارة متركّز، بشكل رئيس، في الدول الثلاث التي يزورها رئيسي
وبالتالي، يرى أصحاب هذا الرأي أنّ واشنطن أَهدرت فرصة التخلّي عن سياستها «الفاشلة» تجاه فنزويلا، ما عزّز، بطبيعة الحال، العلاقات مع الأطراف التي تساعد في كسْر «عزلة» مادورو الدولية، وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية. وفي ما يتعلّق بكوبا، فلم يقتصر تعزيز العلاقات بين الدولتَين، والتي بدأت في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، على انضمامها إلى «حركة عدم الانحياز»، بل إن ما يَجمع بينهما فعلياً، تاريخٌ طويل من التعاون الاقتصادي والعلمي والعسكري والأمني والاستخباري والدبلوماسي، بحسب تقرير في «المجلس الأطلسي»، أشار إلى ما وصفه بـ«الخدمات الاستخبارية» التي قدّمتها كوبا لإيران، وسماح هافانا لطهران بشنّ «هجمات إلكترونية» ضدّ الولايات المتحدة انطلاقاً من أراضيها، وهو ما دفع الجمهورية الإسلامية في المقابل، إلى دعم كوبا بشكل مستمرّ على الساحة الدولية. وقد عاد هذا التقارب بالمنفعة على البلدَين في مجالات عدّة، ولا سيما الطبية منها. ففي خضمّ انشغال الكوكب بمواجهة جائحة «كورونا»، أسفر التعاون بين معهدَين في هافانا وطهران عن إنتاج لقاح «سوبرانا-2»، الذي فاقت فاعليته الـ90%، قبل أن تصبح إيران أول دولة تصنّع اللقاح خارج كوبا، تحت اسم «باستوكوفاك»، في ردّ على عرقلة العقوبات الأميركية حصول الدولتَين على ما يكفي من الأدوية والمستلزمات الطبية لمواجهة الأزمة الوبائية. وعلى ما يبدو، لم تستقِ واشنطن الدروس اللازمة من تبعات سياساتها تجاه هافانا بعد، إذ بحسب «ريسبونسبل ستيتكرافت»، لا تزال العلاقة بينها وبين كوبا خير مثال على «العداء الأميركي الدائم وغير المجدي» تجاه دول العالم. فبدلاً من أن ترفع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، العقوبات التي «تكدّست» في عهد دونالد ترامب، وتنتهج سياسة أقرب إلى تلك التي اتبعها الرئيس الأسبق، باراك أوباما، تجاه الجزيرة المحاصَرة، تبنّى الرئيس الحالي سياسة سلفه ذاتها. وقد عمدت الولايات المتحدة، مرّة جديدة، إلى إدراج كوبا في «قائمة الدول الراعية للإرهاب». وبحسب المجلة الأميركية، فإنّ الدافع، وهو نفسه الذي تذرّعت به إدارة ترامب سابقاً، ومفاده أنّ «كوبا منحت اللجوء لإرهابيين من (جيش التحرير الوطني) الكولومبي»، بدا «سخيفاً» جدّاً هذه المرّة، إذ جاء بعد قرار الرئيس الكولومبي الجديد، غوستافو بترو، استئناف مفاوضات السلام مع تلك المجموعة المسلّحة، وتوقّفه عن المطالبة بتسليم أعضائها.
وعندما يتعلّق الأمر بـ«التكتُّل» في مواجهة السياسات الأميركية، فليست نيكاراغوا استثناءً. فقد وقّعت طهران وماناغوا، نهاية العام الماضي، خطّة تعاون شاملة، لتُضاف إلى سلسلة من الصفقات التي جَمعت الطرفَين في الفترة المنصرمة. وفيما قد لا يرى البعض في نيكاراغوا «شريكاً طبيعياً» لإيران، فإنّ مجموعة من القواسم المشتركة الرئيسة تجمع بينهما إلى جانب مواجهة العقوبات الأميركية، أبرزها عضوية الدولتَين في «مبادرة الحزام والطريق» الصينية، والرغبة المشتركة في الانضمام إلى منظّمة «بريكس». وفي السياق، تعرب الدولتان باستمرار عن أنّ تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية، ودفعها إلى أعلى مستوياتها، هما من «أولوياتهما القصوى». حتى إنّه، في نيسان الماضي، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً قالت فيه إنّ نيكاراغوا أجرت مع إيران مناقشات، في شباط الماضي، حول تعزيز «تعاونهما العسكري» كوسيلة لمواجهة النفوذ الأميركي في أميركا اللاتينية، وفقاً لِما جاء في واحدة من الوثائق السرية الأميركية المسرّبة، والتي جمعتها «وكالة الاستخبارات المركزية». وعلى الرغم من أنّ رحلة الوفد الإيراني إلى نيكاراغوا، في ذلك الشهر، لم تكن سرّاً، فقد «ركّزت السلطات النيكاراغوية والإيرانية بشكل عام على مسألة التجارة»، ولم تأتيا على ذكر أيّ تفاصيل حول محادثات عن التعاون العسكري، بحسب «نيويورك تايمز»، التي تابعت أنّ المسؤولين في نيكاراغوا أبلغوا وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، آنذاك، بأنّ بلادهم تعارض «جهود واشنطن لتوسيع نفوذها في أميركا اللاتينية»، معربين عن استعدادهم للتعامل مع طهران وسائر الدول التي تتشارك الأهداف نفسها.
وإلى جانب الدول الثلاث التي يزورها رئيسي، فقد شهدت العلاقات بين إيران وبوليفيا تحسُّناً ملحوظاً، في أعقاب استئناف الرئيس البوليفي، لويس آرسي، العلاقات الدبلوماسية مع كل من فنزويلا وإيران بعد انتخابه، في عام 2020، والتي تلاها استئناف العلاقات في مجال النفط والطاقة. وفيما كانت العلاقات مع البرازيل، تحت الرئاسة الأولى والثانية للويس إيناسيو دا سيلفا، بين عامَي 2003 و2010، آخذة في التقدّم، فقد استمرّت على هذه الحال بعد إعادة انتخاب لولا لولاية ثالثة عام 2023، واتّباع هذا الأخير لسياسة قائمة على دعم تعدّدية الأقطاب وضمان استقلالية أكبر عن الولايات المتحدة.