طالب الرئيس الأوكراني بـ«ضمانات مكتوبة» في شأن مساعدات مالية وعسكرية وتشديد العقوبات على روسيا
وعلى وقع استمرار الهجوم الأوكراني المضاد، والذي لا يبدو إلى الآن أنه يحقّق نتائج طيّبة، ولا سيما مع تحوّل «دُرر» الصناعات العسكرية الغربية، مِن مِثل منظومتَي «باتريوت» و«هيمارس» ودبابات «ليوبارد» وعربات «برادلي» وغيرها، إلى صيد سهل بأيدي الجيش الروسي، جاءت مناشدة «الأطلسي»، أعضاءه، عشية اجتماع استضافته بروكسل أخيراً لوزراء دفاع الحلف، ضمان تزويد أوكرانيا بالمزيد من «الأسلحة والإمدادات والصيانة اللازمة»، وما رافقها من حديث عن الحاجة إلى تحقيق مكاسب أوكرانية ملموسة قبل القمّة. وعليه، يبدو «الناتو» ساعياً لإظهار نوع من التفوّق في الميدان، يمكن تسويقه كمبرّر للاستمرار في مدّ أوكرانيا بالمساعدات؛ إذ كلّما طالت الحرب من دون حسم واضح وقابل للصرف، تتراجع الحماسة لمشروع الانتصار الأوكراني، ويتضاءل الصبر على استنزاف مقدّرات أعضاء الحلف المالية والعسكرية والاقتصادية. وفي هذا الإطار، أقرّ ستولتنبرغ بأنه «ستكون هناك خسائر في معدات الناتو الحديثة»، آملاً في الوقت نفسه الموافقة على تكثيف الإنتاج العسكري، والذي سيُبتّ فيه خلال قمّة فيلنيوس، فيما شدّد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، خلال اجتماع بروكسل، على ضرورة الاستمرار في «تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي والذخيرة التي تحتاجها بشكل عاجل».
وبالعودة إلى اقتراح «النموذج الإسرائيلي»، وافق مسؤولون كبار في عدّة عواصم أوروبية، بما فيها باريس وبرلين، مبدئياً على الخطّة، على أن تعمل واشنطن «كضامن رئيس للترتيبات الأمنية». إلّا أن الآمال «الأطلسية» تصطدم بحقيقة كون 45.3% من إجمالي المساعدات الممنوحة لكييف مصدرها واشنطن، التي تؤمّن أيضاً أكثر من ثلثَي موازنة «الناتو»؛ وبالتالي، فإن هذا المشروع سيكون محفوفاً بالمخاطر. فمن جهة، تحتاج أوكرانيا إلى عمليات ضخّ منهجية وواسعة النطاق، في ظلّ تشكيل القروض 58% من ميزانيتها، وميْل دينها الخارجي في نهاية العام الحالي إلى بلوغ 106% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب ما أقرّت به حكومتها. وفي المقابل، يضيق الوقت، قبيل الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل، أمام إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لإظهار جدوى تقديماتها السخيّة للمشروع الأوكراني، خصوصاً في ظلّ تركيز الجمهوريين على فشل هذه السياسة، ومساعيهم لعرقلة خطط مساعدة أوكرانيا من بوابة خفض الإنفاق على مجالات أخرى جراء الحجم الكبير للدين العام الأميركي.
في الوقت الحالي، لا يزال مستوى التعاطف مع أوكرانيا في المجتمع الأميركي مرتفعاً جداً، إلّا أن واشنطن وحلفاءها قد لا يملكون خيارات كثيرة للمناورة في حال تحقّق الفشل الذي بدأت ملامحه بالظهور. ومن هنا، تَبرز الحاجة الأميركية إلى فتح الأبواب أمام تسوية ديبلوماسية تطرّق إليها وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مرّتين هذا الشهر. ففي الثاني من حزيران، أعلن بلينكن، للمرّة الأولى، أن بلاده سترحّب بـ«أيّ مبادرة تفاوضية»، معتبراً أن الهجوم الأوكراني المضاد من شأنه «تعزيز موقعها (أوكرانيا) على طاولة أيّ مفاوضات مستقبليّة». وبينما يحافظ «الأطلسي»، إلى الآن، على خطابٍ عالي النبرة لم يَعُد مواتياً للوقائع على الأرض، أعلن مستشار الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك، آخر الشهر الماضي، أن بلاده وحلفاءها ينوون عقد قمّة «سلام» عالمية تُدعى إليها دول داعمة لروسيا وأخرى لم تُدِن الحرب، من مِثل الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهو ما أبدى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، دعمه له.
في كلّ الأحوال، تتّجه الأنظار إلى قمّة فيلنيوس، التي يبدو أنها، إلى جانب تظهيرها حدود الدعم المستقبلي لنظام كييف، ستلقي بظلالها أيضاً على مصير «مشروع الأمن الأوروبي»، الذي يعني ضمنيّاً تجميد الصراع مع روسيا الآن أو في المستقبل القريب، ولا سيما في ضوء المعادلات الدولية المتشكّلة حالياً. أمّا السؤال الرئيس الآن، فيبقى: ما الذي يمكن أن تُقدِم عليه أوكرانيا، من اليوم وحتّى القمّة المرتقبة، من إجراءات ميدانية أكثر تقدّماً، كي تُظهر لرعاتها أنها «جديرة» بالمهمّة الموكلة إليها؟