فتحت محاولة الانقلاب الأخيرة التي قام بها رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية، يفغيني بريغوجين، ضدّ السلطات الروسية، المجال أمام بعض وسائل الإعلام لطرح تكهّنات عدّة حول «مصير» وزير الدفاع، سيرغي شويغو، ولا سيما أن الأخير كان «عدواً لدوداً» لبريغوجين، وهدفاً لانتقاداته اللاذعة، ولا سيما في ما يتعلّق بـ«تقصير» الجيش الروسي في تزويد مقاتلي «فاغنر» بالذخيرة اللازمة، في معركة باخموت تحديداً. وتفوّه بريغوجين، حديثاً، بأقسى انتقاداته منذ بدء العملية العسكرية؛ إذ وصف شويغو ورئيس الأركان العامة الروسي، فاليري غيراسيموف، بـ«الحثالة» الذين «سيحترقون في الجحيم». كما طالب أثناء محاولة توجّهه إلى موسكو برؤية المسؤولَيْن الروسيين، كشرط لوقف التحركات. ومن هنا، أشارت صحيفة «ذا تايمز» البريطانية، الأحد، إلى أن «مكان شويغو غير معروف، وسط انتشار شائعات عن طرده أو حتى احتجازه»، مضيفةً أنه «بعد أكثر من 12 ساعة من إيقاف مقاتلي (فاغنر) مسيرتهم نحو موسكو، لا توجد حتى الآن أيّ إشارة حول مكان تواجد شويغو أو غيراسيموف. ولم يدلِ أيّ من المسؤوليْن بأي تصريحات علنية خلال الأحداث». كما لجأت وسائل إعلام أخرى إلى ذكر أسماء مسؤولين روس آخرين يمكن أن يتمّ طرحهم كـ«بديل» عن وزير الدفاع الحالي. إلّا أن جميع هذه الشائعات تبدّدت، مع إعلان وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن شويغو تفقّد مركز القيادة الأمامية لقوات الغرب في منطقة العملية العسكرية في أوكرانيا، وفق ما أفادت به وكالة «تاس» الروسية للأنباء. وخلال جولته، استمع شويغو، في مركز القيادة، إلى تقرير من قائد المجموعة، الجنرال يفغيني نيكيفوروف، حول الحالة الراهنة، وطبيعة تحرّكات «العدو»، وأداء القوات الروسية للمهام القتالية في الاتجاهات الرئيسة. كما اطّلع على مجموعة من الخرائط، وقام بجولة في المروحية لتفقد المواقع الروسية، وفق ما أظهر مقطع فيديو نشرته الوكالة. وتابعت «تاس» أن شويغو تطرّق إلى الكفاءة العالية في تحديد المعدات العسكرية وتدميرها، وتجمعات القوات الأوكرانية في المناطق التكتيكية الواقعة ضمن إطار عمل قوات الغرب. وبحسب بيان الوزارة، فقد لفت وزير الدفاع إلى أنه يولي اهتماماً خاصاً لتنظيم الدعم الشامل للقوات المشاركة في العملية العسكرية الخاصة، وتهيئة الظروف لنشر الأفراد بشكل آمن.
وجاء هذا في وقت عادت فيه الحياة إلى طبيعتها تقريباً في روسيا، مع إعلان السلطات إنهاء العمل «بنظام عمليات مكافحة الإرهاب» الذي يمنح قوات الأمن سلطات موسّعة في منطقة موسكو وفورونيغ جنوب العاصمة، وذلك «في ظلّ غياب أيّ تهديدات على حياة المواطنين»، بحسب رئيس بلدية موسكو، سيرغي سوبيانين، الذي شكر السكان على «هدوئهم وتفهّمهم».

من هو شويغو؟
وصل شويغو إلى موسكو، قادماً من منطقة توفا في روسيا، خلال فترة تفكّك الاتحاد السوفياتي تقريباً، حيث شغل منصب وزير حالات الطوارئ. وخلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عمد شويغو، الذي بات مقرّباً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفي ما بعد قيادياً في حزبه «روسيا الموحّدة»، إلى زيارة مواقع الكوارث الطبيعية والتفجيرات الإرهابية والتحدّث وجهاً إلى وجه مع المدنيين، ما أكسبه سمعة طيبة وشعبية وطنية، بحسب مجلة «فورين أفيرز» الأميركية. وفي قرار مفاجئ، أعلن بوتين، عام 2012، تعيين شويغو وزيراً للدفاع، علماً أن الأخير لم يخدم سابقاً في الجيش. إلا أنّه، وعلى الرغم من أنّه لم يحظَ ، قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، باهتمام كافٍ من الغرب، يشير المراقبون إلى أن الجيش الروسي حقّق، تحت قيادته، سلسلة من النجاحات المستمرّة، كان أولها السيطرة على شبه جزيرة القرم في عام 2014. وفي السياق، تعتبر «فورين أفيرز» أنه لفهم السبب الذي جعل بوتين مستعداً لإطلاق العنان للحرب «المحفوفة بالمخاطر» في أوكرانيا، يجب أولاً فهم التحول الذي شهده الجيش الروسي تحت قيادة وزير دفاعه «القوي».