طهران | مع استئناف دوريات الشرطة مهامّ عملها في مكافحة خلع الحجاب في إيران، يكون الجدل قد عاد ليتصاعد مرّة أخرى في هذا الشأن. فقد أعلنت الشرطة الإيرانية، الأحد الماضي، أن الدوريات ستتصدّى للذين «يرتدون ملابس خارجة عن نطاق العُرف»، و«يصرّون على كسْر المألوف»، على أن يتمّ «تقديمهم إلى الجهاز القضائي». وأثار نبأ عودة دوريات «شرطة الأخلاق»، ردود فعل وانتقادات واسعة النطاق، ولا سيما أنه جاء بعد أقلّ من عام على وفاة الشابة الإيرانية، مهسا أميني، في أحد معتقلات «دوريات الإرشاد»، وما أعقب الحادثة من احتجاجات واضطرابات استمرّت على مدى أشهر.وعلى رغم أن الشرطة أحجمت عن استخدام تسمية «دوريات الإرشاد» لدورياتها الجديدة، بيدَ أن الناقدين يقولون إن ما حدث على أرض الواقع هو بمثابة عودة «الإرشاد» مجدّداً، والتي يأتي نبأ استئناف عملها، بعدما أظهر واقع الأيام الأخيرة تزايد انتشار سياراتها في الشوارع، ولا سيما في المدن الإيرانية الكبرى، وفي بعض الحالات، وقوع توتّرات ونزاعات بين عناصرها وبين المواطنين. وفي أحدث مثال على ذلك، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع النطاق صوراً لمواجهات بين مواطنين وعناصر من الشرطة في ساحة «البلدية» في مدينة رشت، شمال إيران. ووقع هذا الحادث بعدما كانت الشرطة تعتزم القبض على النساء اللواتي لا يمتثلن للحجاب الإلزامي.
وتحوّل الحجاب في إيران، بعد ثورة عام 1979، إلى قانون مُلزم. لكن، ومع التطوّرات المجتمعية التي حصلت خلال السنوات الأخيرة، عبّر قسم من المواطنين، ولا سيما من الشريحة الشبابية في البلاد، عن معارضتهم للحجاب الإلزامي، إذ يَرون أن اللباس أمر اختياري، ويمارسون العصيان من خلال خلع الحجاب. وكانت دوريات «الإرشاد» قد بدأت عملها قبل نحو عقدَين من الزمن، وتحديداً إبّان عهد حكومة محمود أحمدي نجاد، وذلك بهدف التعامل مع النساء اللواتي لا يتقيّدن بقانون الحجاب. كما تزايد نشاط هذه الدوريات منذ تسلُّم إبراهيم رئيسي الرئاسة في البلاد. لكن، وبعد احتجاجات خريف العام الماضي، أعلن المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، «إنهاء عمل دوريات الإرشاد»، وقال، في كانون الأول الماضي، إن «دوريات الإرشاد لا علاقة لها بالسلطة القضائية، وقد أُنهي عملها من قِبَل المؤسّسة ذاتها التي أسّستها في الماضي». ويقول المنتقدون إن إعادة «الإرشاد» لمكافحة خلع الحجاب، يمكن أن تثير مجدّداً غضب شرائح من الجمهور، وتتسبّب بتذمّر اجتماعي، وتؤدّي إلى اندلاع احتجاجات واضطرابات، على غرار ما حصل في العام الماضي. وفي وقت بات فيه واضحاً أن قسماً من النساء الإيرانيات أصبحن لا يتقبّلن الحجاب، يتبيّن، نتيجة المشاهدات العينيّة، أن وضع الحجاب قد تغيَّر بشكل ملموس بعد احتجاجات العام الماضي، بحيث إن عدداً كبيراً من الرافضات له بِتن يتواجدن في الشوارع والأماكن العامة من دون غطاء رأس، إلى جانب النساء المحجبات.
دارت، خلال الأشهر الأخيرة، مداولات واسعة في البرلمان الإيراني بخصوص لائحة العفة والحجاب التي قدّمتها الحكومة


وتعليقاً على قرار تفعيل عمل «دوريات الإرشاد»، قال الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، أول من أمس، إنه «يبدو أن الإطاحة الذاتية بنظام الحكم والتي دار الحديث حولها مراراً، أخذت تتبدّى وتَظهر أكثر فأكثر مع عودة دوريات الإرشاد من جديد، وكذلك التعاطي البوليسي والأمني واعتماد الأحكام القضائية غير المألوفة تجاه القضايا الاجتماعية، ولا سيما تلك الخاصة بالنساء». ويبدو في خضمّ ذلك، أنه ليس هناك رؤية موحّدة في إيران إزاء كيفيّة التعامل مع خلع الحجاب. فمن ناحية، ثمّة تيار يرى أن التعامل البوليسي والقسري مع «السفور»، يؤدّي إلى تعميق الفجوات. وتعليقاً على صدور بعض الأحكام القضائية المثيرة للجدل، بما فيها «غسل الميت»، و«المراجعة الإلزامية لمراكز علم النفس الحكومية» ضد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب الإجباري، قال وزير التراث الثقافي والسياحة الإيراني، عزت الله ضرغامي، إن صدور هذه الأحكام «يتسبّب في خلق مزيد من التحدّيات». وفي الإطار نفسه، حذّرت صحيفة «رسالت» القريبة من «حزب المؤتلفة» الإسلامية الأصولي، من التبعات السلبية لدوريات «الإرشاد»، وكتبت: «على رغم أنّنا موافقون بحكم العقل السليم والشرع الحكيم على الإلزامية القانونية في قضيّة اللباس، غير أن الوضع الحالي (إعادة نشر دوريات الإرشاد) قد يفضي إلى خلع الحجاب أكثر من ارتدائه». في المقابل، ثمّة تيار داخل نظام الحكم يعارض أيّ تراخٍ في مسألة الحجاب، ويرى أنه إذا تراخت الحكومة وتراجعت في هذا المجال، فإنها تكون قد أَظهرت ضعفها. ويرى كثيرون أن إعادة نشر دوريات الشرطة هي حصيلة هذا النوع من التفكير. فهناك مَن يعتبر الحجاب بمنزلة «جدار برلين» بالنسبة إلى الجمهورية الاسلامية، إنْ انهار، فإن النظام سيُستهدف بمجمله.
ودارت، خلال الأشهر الأخيرة، مداولات واسعة في البرلمان الإيراني بخصوص لائحة العفة والحجاب التي قدّمتها الحكومة، والتي أثارت حفيظة منتقدي الحجاب الإجباري، وكذلك استياء المدافعين. واعتبر حسين شريعتمداري، المدير المسؤول لصحيفة «كيهان»، هذه اللائحة، بمنزلة «تركيب أسلاك شائكة لصدّ الفيضانات»، واصفاً الإجراءات التي تتضمّنها بأنها «غير فعّالة»، متوقعاً تالياً أن يتوسّع نطاق «السفور» في البلاد، حتى في حال المصادقة على اللائحة المذكورة.