غير أن العديد من المراقبين يرَون أن الجولة الجديدة من أنشطة المجموعة في هذه المحافظة، أفرزتها الاحتقانات والتوتّرات التي حدثت في أعقاب إضرابات خريف العام الماضي. ففي 30 أيلول من العام الماضي، وتزامناً مع اندلاع الاحتجاجات في باقي المدن الإيرانية عقب وفاة الشابة مهسا أميني في أحد مراكز الشرطة في طهران، شهدت مدينة زاهدان، مركز المحافظة، تظاهرات احتجاجية قُتل على إثرها العشرات، على خلفية المواجهات التي وقعت بين قوات الشرطة والمحتجّين. ويُطلِق المحتجّون على هذا اليوم «جمعة زاهدان الدامية»؛ ومذّاك، تخرج تظاهرات مناهضة للحكومة عقب كلّ صلاة جمعة انطلاقاً من مسجد «مكي» في زاهدان. وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية الإيرانية، أقرّت بقصور قوات الشرطة في هذا الحادث، وأقالت بالتالي قائد شرطة زاهدان ورئيس مركز الشرطة 16، بيد أن ذلك لم يَحُل دون استمرار التظاهرات.
تفيد الإحصاءات بأن معدّل البطالة في بعض مناطق محافظة سيستان وبلوشستان يراوح ما بين 40% و60%
ويتولّى قيادة الاحتجاجات رجل الدين السنّي، عبد الحميد إسماعيل زهي، المعروف بـ«مولوي عبد الحميد»، وهو إمام جمعة مسجد «مكي»، أكبر مساجد زاهدان. وعلى الرغم من أنه اتّخذ خلال السنوات الأخيرة مواقف معتدلة وأقام علاقات مستديمة وطيبة مع الحكومة، غير أن التطوّرات الأخيرة دفعته إلى الابتعاد عنها وتوجيه انتقادات لاذعة إلى الدولة. وفي كل أسبوع، تتحوّل خطبته في صلاة الجمعة، إلى عناوين عريضة لوسائل الإعلام المناهضة للحكومة. ومع أن الأوساط القريبة من السلطات، تتّهم عبد الحميد بالتماشي مع الأعداء ومجاراتهم في تحريض الجماهير، لكن يبدو أن الأجهزة الأمنية تلتزم الحيطة والحذر في التعاطي معه أمنيّاً.
وفيما اعتبرت مجموعة «جيش العدل» الهجوم الذي شنّته قبل أسبوعين على مركز شرطة زاهدان، ثأراً لقتلى 30 أيلول، أعلن مولوي عبد الحميد براءته من «أيّ عنف وهجوم مسلّح». ويبدو أن تلك المجموعة وباقي المجموعات المسلّحة، والتي اتَّهمت عبد الحميد على مدى السنوات الأخيرة، بمسايرة النظام ومواكبته، في صدد استغلال التصعيد والخلافات الأخيرة التي حصلت بينه وبين الحكومة، بهدف التوجّه نحو مزيد من الراديكالية وتفعيل تحرّكاتها في الظروف الحالية. وتقع التوتّرات والاضطرابات في محافظة سيستان وبلوشستان، في وقت تعاني فيه هذه المحافظة من مشاكل جادّة وأساسية، قد تمهّد بدورها وتوفّر الأرضية لمزيد من التوتّر.
من ناحية المساحة، تُعدّ سيستان وبلوشستان، ثاني أكبر محافظة إيرانية من أصل 31 محافظة، وهي متاخمة لكل من أفغانستان وباكستان شرقاً، وبحر عُمان جنوباً، ما أضفى عليها موقعاً مهمّاً وحسّاساً من الناحية الأمنية والاقتصادية. لكن ووفقاً للإحصاءات والأرقام الرسمية، فإن سيستان وبلوشستان، هي أفقر محافظات إيران، بحيث إن مليون ونصف مليون نسمة، أي 50% من مجموع سكّانها يعيشون تحت خطّ الفقر. وتفيد تقارير وزارة الرفاه الإيرانية التي درست وقيّمت المؤشرات الخمسة الخاصة بمسح ورصد الفقر، أي: التعليم، الصحة والسلامة، السكن، الخدمات المالية والطاقة والمياه، بأن سيستان وبلوشستان أحرزت المركز الأول من حيث تراجع هذه المؤشرات فيها، باستثناء مؤشّر الحصول على مياه الشرب الذي تتقدَّم فيه على محافظة كرمان نسبياً. وساهم فقدان البنية التحتية الصناعية والزراعية والنقل، في تضاؤل فرص العمل، فيما أضرّ الجفاف فعلياً بحياة الناس ومعاشهم. وتفيد الإحصاءات بأن معدّل البطالة في بعض مناطق المحافظة، يراوح ما بين 40% و60%، في ما يعبّد الطريق أمام المجموعات المسلّحة ومهرّبي المخدّرات للتحرّك واستقطاب الأفراد.