طهران | وسط الأجواء الإيجابية التي أفرزتها الانفراجات الجديدة في العلاقات بين إيران والدول الخليجية، والتي تعزَّزت في أعقاب الاتفاق بين طهران والرياض في آذار الماضي، طفا على السطح فجأةً ملفّ خلافي قديم: حقل «الدرة/ آرَش» الغازي - النفطي المشترك بين إيران وكلّ من الكويت والسعودية. ووفق حديث الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أمس، فإن «هذا الحقل مشترك مع الكويت، ونريد استخدامه بشكل مشترك، ولكن إذا لم تكن هناك رغبة في استخدامه المشترك، فمن الطبيعي أن تقوم إیران بتأمين حقوقها ومصالحها، والاستخراج والتنقيب». وفي سیاق متّصل، عبّر وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، أول من أمس، عن أن بلاده «لا تحتمل البتّة إهدار حقوقها» في حقل «الدرة/ آرش» و«إنْ لم تكن هناك رغبة في التفاهم والتعاون، فإنها ستضع على جدول أعمالها الحقوق والمصالح والاستثمار والتنقيب عن المصادر الآنفة الذكر».وجاءت هذه التصريحات ردّاً على أخرى أدلى بها وزير النفط الكويتي، سعد البراك، في حديثه إلى قناة «سكاي نيوز العربية»، وقال فيها إن بلاده «ستبدأ الحفر والإنتاج في حقل الدرة/ آرش من دون انتظار ترسيم الحدود مع إيران». وكان البراك قد زعم في تصريحات، في الـ 9 من تموز الجاري، أن الحقل «ملكية حصرية» للإمارة والمملكة، داعياً الجمهورية الإسلامية إلى ترسيم حدودها البحرية وإثبات أحقيّتها في هذا الحقل. وبعد يومين، أي في الـ 11 من تموز، قال كنعاني تعقيباً على الموقف الكويتي، إن الموضوعات المتعلّقة بـ«ترسيم الحدود البحرية» و«استغلال المصادر الهيدروكربونية المشتركة»، تُتابَع مع مسؤولي دولة الكويت في إطار الحوارات الثنائية. وأضاف أن «آخر جولة من المحادثات الحقوقية والفنّية في هذا الخصوص جرت في طهران يوم 13 آذار بين الوفدَين الإيراني والكويتي على مستوى كبار مديري وزارتَي خارجية البلدَين».
وحقل «آرَش» الغنيّ بالغاز والنفط والذي تُسمّيه الكويت والسعودية حقل «الدرة»، جرى اكتشافه على أيدي اليابانيين في عام 1965، ويقع على الساحل الجنوبي لإيران والشواطئ الشرقية لكل من السعودية والكويت. ومع ذلك، لم تُرَسَّم أيّ حدود وثغور في شأن ملكيّة هذا الحقل الغازي - النفطي. وعلى مدى الأشهر الماضية، قالت الكويت، مستندةً إلى معطيات المسح الزلزالي الذي أجرته شركة «شل» (مقرّها في بريطانيا)، إنه ليس لدى طهران أيّ حصة في الحقل البحري الذي يحتوي على مخزون من الغاز يبلغ 570 مليار متر مكعب، ومخزون من السوائل الغازية قدْره 310 ملايين متر مكعب، وإن تطويره والإنتاج فيه يقتصران على الكويت والسعودية فقط.
واكب موقف الكويت في اعتبار حقل «الدرة/ آرش»، «ملكية مشتركة حصريّاً» بينها وبين السعودية، موقف سعودي مماثل


أمّا إيران فتقول إن شركة نفط «الجرف القاري» الإيرانية كانت قد أجرت سابقاً مسحاً زلزالياً في هذا الحقل، وإن 40% من احتياطياته تقع في المياه الإيرانية. ولكنها دعت على لسان وزير النفط، أوجي، إلى «تسوية ودّية» للقضايا الحدودية والبحرية مع الجيران، وأن يتمّ الاستثمار في حقل «الدرة/ آرش»، «بصورة موحّدة ومشتركة». وجاء إعراب أوجي عن حرصه على تطوير حقل «الدرة/ آرش» بصورة موحّدة ومشتركة، في وقت تسعى فيه الكويت والسعودية، بموجب الاتفاق الذي وقّعتاه في آذار عام 2022، للاستثمار بسبعة مليارات دولار واستقطاب الشركات الأجنبية لتطوير الحقل، وهو ما اعتبرته طهران، في ذلك الحين، «غير قانوني».
ولعلّ أهمّ تحدٍّ يقوّض موقع إيران في استثمار ذلك الحقل الغازي والنفطي في مقابل الكويت والسعودية، هو أن العقوبات التي يفرضها الغرب عليها تسبّبت في ألّا تتقدَّم أيّ شركة دولية للاستثمار في هذا المجال والمجالات الأخرى المتعلّقة بالنفط والغاز في إيران. ويبدو أن الكويت والسعودية، على رغم إدراكهما لهذه الظروف الإيرانية، استغلّتا الفرصة لترسيخ موقعهما في الحقل الذي تسعيان إلى استثماره بصورة أحادية.
وواكب موقف الكويت في اعتبار حقل «الدرة/ آرش» ملكية مشتركة حصريّاً بينها وبين السعودية، موقف سعودي مماثل، إذ نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) أخيراً عن مصدر في وزارة الخارجية السعودية، قوله إن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها الحقل بكامله، هي «ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط». ويمكن لموقف السلطات الكويتية في رفض حقّ إيران في هذا الحقل وبدء عمليات الحفر والإنتاج فيه، أن يتحوّل إلى إشكالية حقوقية وديبلوماسية جادّة بين البلدَين. وما لم تتمّ معالجة القضيّة عن طريق المفاوضات، فإنها قد تُحال إلى المنظّمات القضائية الدولية، ولا سيما من قِبَل إيران، على رغم أن من المستبعد أن تتحوّل هذه القضيّة الخلافية إلى تصعيد سياسي أو أمني كبيرَين.
في هذا الوقت، وصل السفير الإيراني الجديد، محمد توتونجي، إلى الكويت يوم الأحد، ليباشر مهامّ عمله الديبلوماسي، وذلك بالضبط في اليوم الذي ردّ فيه وزير النفط الإيراني على تصريحات نظيره الكويتي، في ما يؤشّر إلى أنه ليس مقرّراً أن يمسّ هذا الموضوع الخلافي أساس العلاقات الثنائية، فيما أعرب الناطق باسم الخارجية الإيرانية عن أمله بأن تحلّ الخلافات مع الكويت في شأن حقل الدرة/ آرش «عبر الحوار وحسن الجوار».