لم تنجح مقاربة «الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إكواس) في التوصّل إلى حلول وسط مع قادة الانقلاب في النيجر، على الرغم من التفويض الذي حصلت عليه من الولايات المتحدة وفرنسا منذ الساعات الأولى من وساطتها. ويأتي ذلك وسط تقارير عن انقسامات حقيقية بين أعضاء المجموعة حول مسألة التدخّل العسكري خصوصاً، منذ نهاية المهلة التي وضعتها لإعادة الرئيس المعزول، محمد بازوم، إلى منصبه. وعلى الرغم من هذا الانقسام، خرجت قمة «إكواس»، التي انعقدت في 10 آب، بتوصيات أبقت التدخل العسكري لـ«استعادة الديموقراطية في النيجر» خياراً مطروحاً، ودعت إلى تجهيز «قوة استعداد» لنشر عناصرها داخل هذا العملية، من دون تحديد موعد العملية أو سقفها الزمني أو حجمها.
قمة «إكواس»: إملاءات غربية
سبقت قمّة «إكواس» الأخيرة، زيارة لفيكتوريا نولاند، نائبة وزير الخارجية الأميركي، إلى نيامي في 7 آب، أبلغت في خلالها قادة الانقلاب دعم بلادها لحلّ «يعيد الحكم الديموقراطي والنظام الدستوري»، بحسب بيان صادر عن الخارجية الأميركية، أشار أيضاً إلى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، وبازوم، أكد خلاله الأول أن «سلامة الثاني وحياته أولوية لواشنطن». إلّا أنه بالتزامن مع انتهاء القمة، أفادت مصادر ديبلوماسية غربية بأن المجلس العسكري الانتقالي «أخبر ديبلوماسياً أميركياً رفيع المستوى أنهم سيقتلون بازوم حال محاولة دول الجوار الإقدام على أيّ تدخل عسكري لاستعادة حكمه». وكان قادة الانقلاب اتّهموا القوات الفرنسية بـ«محاولة زعزعة استقرار البلاد عبر شنّ هجوم لتحرير إرهابيّين»، معلنين أن «الهجوم تمّ دعمه استخباراتياً بمعلومات وفّرتها قوات عسكرية أوروبية (تعمل في النيجر)، ونجح بالفعل في تحرير سبعة إرهابيين». ومن المرجّح أن يكون المحرَّرون عناصر اتصال نيجرية بالقوات الفرنسية، تمتلك معلومات بالغة الحساسية إزاء مجمل أنشطة تلك القوات، والتي ربّما تكون مخالفة لحدود مهامها، على غرار ما كشفته مالي قبل نحو عامين، ولم تردّ فرنسا عليه بإجابات حاسمة. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن باريس تُفضّل في الوقت الراهن أن تتصدّر «إكواس» المشهد، في وقت سُجّل فيه تراجع في حدّة لهجتها، بقولها إن الأمر يرجع إلى المجموعة لاتّخاذ القرار المناسب حول «كيفية استعادة النظام الدستوري في النيجر». وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار مخرجات قمّة «إكواس»، والتي أبقت خيار التدخّل العسكري على الطاولة، استجابةً لإملاءات غربية واضحة، بالتزامن مع تصاعد القلق الغربي من احتمالات نجاح الانقلاب، وما يعنيه من تقليص غير مسبوق منذ عقود في النفوذ الغربي المطلق في إقليم الساحل ودول غرب أفريقيا.
أبدت نيجيريا، منذ وقوع الانقلاب نهاية تموز الماضي، قدراً كبيراً من التحمّس للتدخل العسكري


نيجيريا وقيادة التدخل العسكري الإقليمي
أبدت نيجيريا، منذ وقوع الانقلاب نهاية تموز الماضي، قدراً كبيراً من التحمّس للتدخل العسكري، وهو ما يبدو مفهوماً في ضوء اعتبارات عدّة أهمّها طول حدودها المشتركة مع النيجر شمالاً، وتخوّف نظام الرئيس النيجيري الجديد، بولا تينوبو، من تداعيات الأزمة في النيجر على دول جوار أخرى أهمّها تشاد وبنين، ممّا سيجعل نيجيريا محاطة بحزام من الاضطرابات (إذا ما أضيفت الكاميرون المرشّحة لسيناريو مشابه، لكن من زاوية طول فترة حكم الرئيس الحالي، بول بيا، منذ عام 1982)، فضلاً عن إخلال انقلاب النيجر بالترتيبات الاقتصادية والأمنية التي كان قد تمّ الاتفاق عليها بين بازوم وشركائه الدوليين (بما في ذلك شركات الطاقة والتعدين الدولية). وعلى الرغم من تمتّع نيجيريا بجيش نظامي كبير (يقترب عديده من 230 ألف جندي)، فإنها لم تستطع مجابهة التحديات الداخلية التي فرضها الإرهاب وشبكاته على البلاد، في أحدث موجاته منذ نحو عقد ونصف عقد، مجابهة حاسمة، ما يثير تساؤلات حول قدرتها على الدفع بقوات كافية إلى التدخّل الحاسم والسريع. لكن وفق بعض التقارير، فإن دول «إكواس» اتّفقت على تكوين قوة قوامها نحو خمسة آلاف جندي، توفّرها مجتمعةً. وفي حال نجاح المجموعة في إرسال قوة بهذا الحجم الكبير نسبياً، تحت غطاء جوّي فرنسي (ودعم لوجستي من قِبل القوات الألمانية والإيطالية في النيجر، بغضّ النظر عن موقف القوات الأميركية الذي يظلّ رهن اللحظات الأخيرة)، فإن المعركة في النيجر ستكون مفتوحة ومحفِّزة لصراع إقليمي أوسع نطاقاً، ولا سيما إذا ما التزمت مالي وبوركينا فاسو بتعهّداتهما بالتدخل لصالح المجلس العسكري الانتقالي في نيامي. لذا، يبدو حرص أبوجا على إشراك أكبر عدد من دول «إكواس» في صنع قرار التدخل العسكري، مستهدِفاً في المقام الأول حشد غطاء شرعي لتحرّكها، بغضّ النظر عن مجمل التداعيات السلبية لهذا التدخل على دول غرب أفريقيا، وخاصة في ملفَّي الإرهاب والتشرّد الداخلي.

ماذا بعد؟
بدا لافتاً غياب الاتحاد الأفريقي عن ملف الأزمة في النيجر، ما يؤشّر إلى إطلاق يد «إكواس» في التصرّف، مع ضمان تجنيبها أيّ مساءلة قارّية. واكتفى الاتحاد، عقب قمة المجموعة (11 آب)، بالدعوة إلى الإفراج عن بازوم، وحضّ المجتمع الدولي على تنسيق جهوده في هذا الصدد. ومع توارد تقارير مكثّفة عن التنشيط الفعلي لقوة استعداد «إكواس»، وتحذيرات قادة المجلس العسكري في نيامي من امتداد «الحرب» خارج النيجر، فإنه يبدو أن الأيام القليلة المقبلة ستحمل في طياتها تطوّرات حاسمة، ستكون تبعاتها، إذا ما نحت منحى التدخّل، بالغة الخطورة في إقليم ظلّ مصنَّفاً واحداً من أفقر أقاليم العالم لعقود. كما أن تحصّل «إكواس» على دعم غربي وتحصين إقليمي أفريقي، سيدفعها إلى استسهال التدخل لتحقيق ما تعتبره «استعادة للديموقراطية والنظام الدستوري» في النيجر، في ما يمثّل إطلاقاً جديداً لسياسات الاعتداء العسكري تحت غطاء «أخلاقي»، لا يستقيم مع الواقع القائم في دول الإقليم، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.