يواجه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لائحة اتّهام قضائية جديدة تستند هذه المرّة إلى «قانون المنظّمات الفاسدة والممارِسة للابتزاز»، والمعروف اختصاراً بقانون «ريكو»، والذي يَستهدف التصدّي لعصابات الجريمة المنظّمة، وذلك على خلفية اتّهامه بالضلوع في مخطّط لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في ولاية جورجيا. وعلى رغم دخول الاتّهامات القضائية المتتابعة التي تُوجّه إلى ترامب، مرحلةً أكثر حراجة، إلا أنه لا يبدو، إلى الآن، أنها نالت من شعبيته، ولا سيما أنه لا يزال يتصدّر استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت لدى الناخبين الجمهوريين. غير أن لائحة الاتهام الرابعة التي توجّه إلى الرئيس السابق في غضون أقلّ من ستة أشهر، تُعدّ من بين أخطر القضايا التي تلاحق ترامب الساعي إلى الظفر ببطاقة الحزب الجمهوري لرئاسيات 2024، أولاً لأنها تحمل، وبخلاف قضايا أخرى، أدلّة ملموسة (تسريب صوتي للرئيس السابق)، فضلاً عن أنه لا يمكن الرئيس أن يُسقطها عبر اللجوء إلى قانون العفو عن نفسه، ولا إرغام مكتب الادّعاء العام على إسقاط الملاحقات في حقّه، على اعتبار أن القضيّة مرفوعة عليه على مستوى الولاية ولا سلطة للدولة الفدرالية عليها.وتضاف القضيّة الأحدث إلى سجلّ ترامب الحافل بالاتهامات الجنائية؛ فإلى اتّهامه في واشنطن وجورجيا بقضيتَين ترتبطان بالانتخابات، وجّه الادّعاء العام في مانهاتن، في نيسان الماضي، اتّهامات إلى الرئيس السابق بتزوير سجلّاته المالية للتغطية على دفعه مبلغاً من المال وقدْره 130 ألف دولار إلى ممثلّة الأفلام الإباحية، ستورمي دانييلز، لقاء شراء صمتها عن علاقة جمعتهما في ما مضى؛ كما واجه، في حزيران الماضي، لائحة اتّهام تتعلّق بقراره الاحتفاظ بوثائق حكومية سرّية في منزله الكائن في ولاية فلوريدا، بعد مغادرته منصبه الرئاسي. وفي القضيّة الجديدة، وَجّهت المدعية العامة في مقاطعة فولتون (جورجيا)، فاني ويليس، مساء الإثنين، 13 اتّهاماً إلى ترامب، من بينها «الابتزاز»، وذلك بعد عامَين ونصف عام من التحقيق الذي كانت بدأته، على إثر تسريب مكالمة هاتفية أجراها الرئيس السابق، في الثاني من كانون الثاني 2021، بكبير المسؤولين عن الانتخابات في الولاية، براد رافنسبرغر، طالباً إليه إيجاد نحو 12 ألف صوت شكّلت الفارق بينه وبين منافسه، لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولاية التي فاز فيها جو بايدن.
وتتضمّن لائحة الاتهام، الواقعة في 98 صفحة، عدداً من الجرائم التي «ارتكبها ترامب أو مساعدوه» في الفترة السابقة لانتخابات الثالث من تشرين الثاني 2020، ولغاية أيلول 2022، من بينها الإدلاء بشهادات زور أمام نواب تفيد بتزوير حصل في التصويت، وحثّ مسؤولي الولاية على تغيير النتيجة. ووفق لائحة الاتهام، حاول المتّهمون «تقويض العملية الانتخابية في الولايات المتحدة من خلال تقديم قوائم زائفة من أعضاء المجمع الانتخابي الذي يختار الرئيس». وأوضحت ويليس، في هذا الإطار، أنه «بدل الالتزام بالآلية القانونية في جورجيا للطعن في الانتخابات، انخرط المتّهمون في مخطّط ابتزاز إجرامي من أجل قلْب نتائج الانتخابات الرئاسية»، مشدّدة على رغبتها في أن تبدأ المحاكمة التي ستشمل جميع المتهمين «في غضون 6 أشهر». وتفيد لائحة الاتهام بأن «الرئيس السابق ومتّهمين آخرين مشمولين بالقضيّة رفضوا الاعتراف بهزيمة ترامب، وانضمّوا عن دراية ورغبة منهم إلى مؤامرة لتغيير نتيجة الانتخابات لمصلحة ترامب بطريقة غير قانونية». كما تتضمّن اللائحة ما تخطّى حدود ولاية جورجيا، إذ ذكرت أن كبير الموظّفين السابق في البيت الأبيض مارك ميدوز، ومحامي ترامب الشخصي رودي جولياني، ومساعدين آخرين، تواصلوا مع مسؤولين في ولايتَي أريزونا وبنسلفانيا وولايات أخرى، لحثّهم أيضاً على تغيير النتيجة.
تُعدّ هذه المرّة الأولى التي يُتّهم فيها رئيس أميركي سابق بالابتزاز، استناداً إلى قانون يُستخدم خصوصاً لاستهداف العصابات


وسارع ترامب في أعقاب صدور لائحة الاتهام، إلى مهاجمة ويليس، وهي ديموقراطية، متسائلاً عن سبب تأخّرها في توجيه الاتهامات ضدّه لأكثر من عامين، ومشكّكاً في توقيت صدور لائحة الاتهام فيما يتحضّر لحملة انتخابية جديدة. ووصف الرئيس الجمهوري السابق، على منصّته للتواصل الاجتماعي، «تروث سوشال»، الاتهامات التي أكد أنها «زائفة»، بأنها «حملة شعواء». وكتب: «لماذا لم يوجّهوا التهمة لي قبل سنتين ونصف سنة؟ لأنهم يريدون القيام بذلك وسط حملتي السياسية»، معتبراً أن ويليس التي قال إنها تعمل لمصلحة بايدن «أبطأت بصورة استراتيجية تحقيقها بهدف التدخّل إلى أقصى حدّ ممكن في السباق الرئاسي عام 2024 والإضرار بحملتي المهيمنة» في استطلاعات الرأي.
وتُعدّ هذه هي المرّة الأولى التي يُتّهم فيها رئيس أميركي سابق بالابتزاز، استناداً إلى قانون يُستخدم خصوصاً لاستهداف العصابات والمافيات. ويسمح قانون «ريكو» للمدّعين العامّين بإيجاد روابط بين الجهات التي تخرق القانون وتلك التي تعطيها الأوامر. وفي هذا المجال، أوضحت وسائل الإعلام الأميركية أن أكثر من 30 ولاية أميركية تطبّق نسختها الخاصة من قانون «ريكو»، وأن تطبيقه في جورجيا هو الأوسع، علماً أن نسخته الفدرالية تعدّد 30 جريمة مصنّفة في إطار «الابتزاز»، بينما تعدّد جورجيا 65 جريمة تضعها في هذه الخانة. وأُقرّ «ريكو» في عام 1970 لمحاربة الجريمة المنظّمة، ولا سيما «المافيا»، فيما سَنّت غالبية الولايات قوانين مماثلة مع تغييرات مختلفة. ووفقاً لوكالة «رويترز»، تم تفكيك «المافيا» في الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير باستخدام هذا القانون، وجرى توسيع نطاقه ليشمل العديد من الأنواع الأخرى من النشاط الإجرامي المنظّم. وطبّق المدّعون القانون على جميع أنواع الجماعات التي يصفونها بأنها «مؤسسات» إجرامية، بما فيها بنوك وول ستريت، والتجّار المنخرطون في التلاعب بالسوق، وفقاً للوكالة. وعليه، لا يشترط القانون على وكلاء النيابة إثبات أن المتّهمين متورّطون بشكل مباشر في نشاط إجرامي، بل يكتفي بأنهم كانوا جزءاً من منظّمة أكبر قامت بذلك. وفي حالة ترامب، يعني ما تَقدّم أن المدّعين لن يضطرّوا بالضرورة إلى إثبات أن الرئيس الطامح بقوّة إلى العودة إلى البيت الأبيض قد انتهك القانون شخصيّاً، إنّما يمكن أن يكتفوا بالتدليل على تنسيقه مع أشخاص آخرين في الانتهاك المذكور.