طهران | على مسافة أسبوع من انعقاد الاجتماع الدوري لمجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، تركّزت الأنظار مرّة أخرى في اتّجاه التطوّرات المتّصلة بالملفّ النووي الإيراني. فمن ناحية، تشير تقارير إلى تناقص سرعة التخصيب في إيران بنسبة 60%، في موازاة الحديث عن تقدُّم في المحادثات غير المباشرة الجارية بين الجانبَين. وفيما كان مقرّراً أن يبدأ مجلس المحافظين اجتماعه الدوري اعتباراً من يوم الاثنين المقبل (11 أيلول)، في مقرّ الوكالة في فيينا، أفادت مصادر مطّلعة بأن طهران خفّضت من سرعة تخزين اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، وهو ما يبدو أن تقرير مفتشي الوكالة الذي يُنشر قبل الاجتماع الدوري، سيشير إليه، الأمر الذي يمكن أن يشكّل علامة على تقدُّم المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، والهادفة إلى احتواء التصعيد بينهما.ومنذ نحو ستة أشهر، بُذلت محاولات جادّة بوساطة عُمانية لبلورة اتفاق ما بين الجانبين. وبعدما وصلت المحادثات الرامية إلى إحياء "خطّة العمل المشترك الشاملة" (الاتفاق النووي) إلى طريق مسدود، اعتباراً من صيف العام الماضي، ولم يَعُد ثمّة أمل في دفعها قُدُماً، رست المحاولات المذكورة على قاعدة أن تتحرّك إيران والولايات المتحدة في اتّجاه إيجاد اتفاقات محدودة ومؤقتة هدفها خفض التصعيد بينهما، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة على الأقلّ. ويشكّل الاتفاق الأخير الذي توصّل إليه الجانبان حول إطلاق سراح السجناء الأميركيين من مزدوجي الجنسية من السجون الإيرانية، في مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمّدة لدى كوريا الجنوبية، خطوةً من قِبَلهما على هذا الطريق. وعلى رغم أن المحادثات المتعلّقة بالسجناء كانت قد بدأت قبل نحو عامين، بيدَ أن المشاورات التي أجريت خلال الأشهر الأخيرة، وخاصّة تلك التي رعتها سلطنة عُمان، كان لها الدور الحاسم في إنجاحها. ويرى مراقبون أن الاتفاق الأخير يمكن أن يكون بمثابة فرصة للمضيّ قدماً في المسار الديبلوماسي الجديد بين الطرفَين، وخصوصاً أن قرار طهران خفض سرعة التخصيب، بالتزامن مع الأخبار التي تحدّثت عن انفراجة في مبيعات النفط الإيراني، وكذلك بعض الانفراجات المالية، كلّها تشكّل علامات على تحقُّق اتفاق جديد بينهما، قد لا يكون مكتوباً أو رسميّاً، إلّا أنه وُضع موضع تطبيق على ما يَظهر.
وكانت وكالة «رويترز» قد ذكرت، في تقرير، أن إنتاج النفط الإيراني بلغ، في شهر آب الماضي، ثلاثة ملايين و150 ألف برميل يومياً، وهو الأعلى في البلاد منذ 2018، العام الذي انسحبت فيه إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي. وبحسب شركة "مبادرة معطيات المؤسسات المشتركة" (Joint Organizations Data Initiative) التي تنشر إحصاءات إنتاج النفط والغاز، فإن "إنتاج النفط الخام الإيراني وصل في حزيران 2018، إلى ثلاثة ملايين و800 ألف برميل". ويُظهر هذا التقرير أنه على رغم استمرار العقوبات الأميركية الصارمة التي تمنع شركات الطاقة في العالم من التعاون مع إيران، غير أن صناعة النفط الإيرانية تواصل انتعاشها ونموّها. وإضافةً إلى ذلك، يبدو أن "التوقّف عن احتجاز ناقلات النفط التي تحمل النفط الإيراني"، و"تراجع التوتّرات في المنطقة وعدم اندلاع مواجهات مسلّحة بين المجموعات التي تتمتّع بالدعم الإيراني والعسكري الأميركيين" تُعدّ من الحالات الأخرى التي تندرج، وفقاً للقرائن والشواهد، في خانة التفاهم غير المكتوب وغير المُعلن بين البلدَين. ويبدو أن طهران وواشنطن حاولتا، في الفترة الأخيرة، متابعة التوافقات بينهما بشكل سرّي للغاية، وبعيداً من أنظار وسائل الإعلام. وبما أن إدارة إبراهيم رئيسي، كانت من منتقدي السياسة الخارجية لإدارة حسن روحاني، فإنها لا تبدي حرصاً يُذكر على الترويج لمسألة المحادثات والاتفاق مع أميركا على مستوى الإعلام. وعلى الجانب الآخر، يتحيّن العديد من منتقدي إدارة جو بايدن، الفرص، للضغط عليها واتّهامها بمجاراة إيران، ولذا، فهي تظلّ حذرة بهذا الخصوص.
وبما أن الاتفاقات المؤقتة وغير الرسمية لا تتميّز بطابع حقوقي ورسمي، وتقتصر على فترة زمنية محدّدة، فإنها لا تفرز الكثير من القضايا الهامشية للإدارتَين الإيرانية والأميركية، إذ إن إيران، في ظلّ الحفاظ على هيكلية برنامجها النووي، تقوم بخفض سرعته أو تعديلها، فيما أميركا، في ظلّ الحفاظ على هيكلية العقوبات على إيران، تقوم بالتقليل من حدّة تطبيق هذه العقوبات بعض الشيء. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مؤتمر صحافي خلال زيارته لبيروت، الجمعة، إن "الاتفاق الأخير بين إيران وأميركا للإفراج عن جزء من الأصول الإيرانية المجمّدة، وكذلك تبادل السجناء، يساعدان ويدعمان الحوارات في شأن الاتفاق النووي"، مضيفاً إن "مبادرة سلطان عُمان موضوعة على الطاولة، ويتمّ من خلالها تبادل الرسائل بين إيران والأطراف الأخرى". وعلى رغم أن أمير عبد اللهيان لم يتطرّق إلى تفاصيل المبادرة العُمانية، لكن تصريحاته تؤكد، ضمناً، أنه إلى جانب تبادل السجناء وتحرير الأموال الإيرانية المحتجزة، فانّ ثمّة محادثات أخرى تجرى برعاية مسقط، بين طهران وواشنطن، التي عبّر عنها بـ«الأطراف الأخرى».