استبق الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، لقاءه المرتقب مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي السنوي في فلاديفوستوك (أقصى الشرق الروسي) الذي يبدأ أعماله الأحد، بسلسلة زيارات تفقّديّة شملت، خلال أسبوع واحد، خمسة مصانع أسلحة في بلاده، تنتج الصواريخ الباليستية، ومحرّكات الدرونات، كما القذائف الصاروخية، ودشّن أيضاً غواصة قادرة على إطلاق صواريخ محمّلة برؤوس نووية. ومن المعروف أن بيونغ يانغ أسَّست، على رغم الحصار الغربي الخانق، قاعدة صناعية رفيعة المستوى تُنتج إلى جانب المواد الاستهلاكية والصناعية، مروحة عريضة من معدّات القتال، بدءاً من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وليس انتهاءً بالبنادق الهجومية، فضلاً عن تطويرها قدرات نووية.وتعليقاً على الزيارة المرتقبة، أفادت مصادر استخبارية أميركية بأن السجاد الأحمر قد فُرش في المحطّة الواقعة على الحدود بين روسيا وكوريا الشمالية، فيما ذكرت تقارير أن القطار الذي يقلّ كيم غادر متوجّهاً إلى الحدود، علماً أن الرئيس الكوري استقلّ القطار ذاته في رحلته الشهيرة، في عام 2019، إلى فيتنام، حيث التقى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والرئيس الكوري الجنوبي في حينه، مون جاي إن. وسيكون اللقاء المنتظَر بين بوتين وكيم بمثابة تتويج لمسار انطلق منذ بعض الوقت في أعقاب زيارة قام بها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى العاصمة الكورية بيونغ يانغ، في تموز الماضي، جال فيها برفقة كيم على معرض للأسلحة (مسيّرات هجومية، طائرات استطلاع، وأحدث جيل من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات). ولاحظت وسائل الإعلام أن شويغو اصطحب معه في تلك الزيارة، نائبه المسؤول عن المشتريات العسكرية، الجنرال أليكسي كريفوروتشكو، فيما تعهّد وزير الدفاع، في ختام رحلته، بـ"تعزيز التعاون" بين البلدَين، وأعلن، الأسبوع الماضي، أن موسكو تدرس ضمّ بيونغ يانغ إلى مناورات بحرية مشتركة مع الصين.
وكان الرئيسان بوتين وكيم التقيا سابقاً - في مدينة فلاديفوستوك أيضاً - قبل أربع سنوات (2019)، علماً أن الاتحاد السوفياتي السابق كان داعماً تقليديّاً لكوريا، وأصبحت روسيا في عهد بوتين حليفاً موضوعيّاً، لكنّ الحرب الأوكرانية، والعقوبات الواسعة المفروضة على البلدَين، قرّبتا أكثر بين القيادتَين. واستُقبلت أنباء هذا اللقاء بقلق بالغ في الولايات المتحدة التي تخشى تعمّق العلاقات الثلاثية الروسية - الصينية - الكورية على نحو يقول الأميركيون إنه "يعقّد الوضع الأمني ليس في شبه الجزيرة الكورية والجوار فحسب، إنّما أيضاً في أوكرانيا". ولم تفصح المصادر الروسية أو الكورية بعد عمّا يمكن أن يترتّب على هذا التقارب، لكنّ الخبراء يقولون إن هنالك فرصاً عديدة لتبادل اقتصادي وعسكري واسع بين البلدَين. ويمكن بيونغ يانغ مثلاً أن تقدّم لموسكو الذخيرة على أنواعها، ولا سيما قذائف المدفعية، وقاذفات صواريخ متعدّدة المدى، والصواريخ الباليستية القصيرة المدى، بالإضافة إلى محرّكات الدرونات، وهي أسلحة تستهلك القوات الروسية كميّات هائلة منها خلال عملياتها ضدّ القوات الأوكرانية. وفي المقابل، يمكن أن تتوسّع موسكو في تصدير الحبوب والنفط والتكنولوجيا العسكرية المتقدّمة إلى بيونغ يانغ، فضلاً عن إمكانية الدفع لها بالعملات الصعبة.
تقارب موسكو - بيونغ يانغ المتعاظم هذا لا يبدو مرحّباً به بحرارة في بكين


وكما يُستشفّ من تصريحات مسؤولين وخبراء أميركيين، فإن واشنطن قلقة بالفعل من إقدام الروس، في إطار المنازلة المتّسعة مع حلف "الناتو"، على تزويد الكوريين بتقنيات عسكرية متقدّمة تتجاوز نطاق صفقات الأسلحة التقليدية والغذاء والطاقة، لتشمل تكنولوجيات نوعية مثل أقمار الاستطلاع العسكرية، والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، والطائرات المقاتلة. ولا شكّ في أن مزيداً من المنعة الاقتصادية والعسكرية التي يمكن بناؤها عبر التعاون مع موسكو، ستقوّي أوراق بيونغ يانغ الاستراتيجية في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة والدول التي تدور في فلكها في تلك المنطقة من العالم، وبالذات كوريا الجنوبية، واليابان. وبخلاف بقية حلفاء موسكو، فإن بيونغ يانغ صريحة في تأييدها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، واعترفت بالمناطق التي ضمّها الروس، ويُعتقد أيضاً أنها شحنت أسلحة تضمّنت صواريخ محمولة من المشاة وصواريخ قصيرة المدى إلى قوات مجموعة "فاغنر" في مدينة باخموت الاستراتيجية.
وتعليقاً على اللقاء المرتقب للزعيمَين بوتين وكيم، نقلت وسائل إعلام أميركية عن أدريان واتسون، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، حثّه الجانب الكوري على "وقف مفاوضات الأسلحة مع روسيا". وكان زعم جون كيربي، منسّق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي، أن "(الزعيمين) بوتين وكيم تبادلا رسائل قبل هذا اللقاء، تعهّدا فيها بالعمل على تمتين التعاون بين البلدَين". وقال المسؤول الأميركي المطّلع على تقارير الاستخبارات للصحافة، إنه يعتقد بأن "الروس بحاجة ماسّة إلى إمدادات ضخمة ومتكرّرة من ذخائر المدفعية والصواريخ القصيرة المدى لاستخدامها في أوكرانيا، إضافة إلى مكوّنات صناعية ومواد خام تحتاج إليها بشدة الصناعات الدفاعية الروسية".
على أن تقارب موسكو - بيونغ يانغ المتعاظم هذا لا يبدو مرحّباً به بحرارة في بكين، إذ يقول مراقبون غربيون إن الصين التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع كلا الطرفَين الروسي والكوري لا ترغب بأن يكون إقليم شرق آسيا مسرحاً لمزيد من التصعيد ضدّ الغرب. ويحاول الصينيون الاحتفاظ بعلاقات وديّة قدر الإمكان مع الدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي لضمان استمرار التبادلات التجارية، وهم منفتحون أيضاً على مبادرات أميركية لتجاوز التأزُّم في العلاقات الثنائية.