«إسرائيل في قلب مشروع دولي غير مسبوق، سيربط البنية التحتية بين آسيا وأوروبا، ومن شأنه تغيير ملامح الشرق الأوسط»، هكذا علّق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على إعلان نظيره الأميركي، جو بايدن، وحلفائه في «قمّة العشرين» التي استضافتها نيودلهي، عن مشروع اقتصادي يربط الهند بدول الشرق الأوسط. وأظهر مقطع فيديو احتفالي تضمّن مؤثرات بصرية وخرائط، نتنياهو وهو يقول: «يسعدني، مواطني إسرائيل، أن أبلغكم، أننا سنكون تقاطعاً مركزياً في هذا الممرّ الاقتصادي، وستفتح خطوط السكك الحديد والموانئ البحرية لدينا بوابة جديدة من الهند، عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا، وكذلك من أوروبا إلى الهند، عبر الأردن والسعودية والإمارات». ظاهرياً، لدى نتنياهو والإسرائيليين مبرّرٌ للاحتفال، على اعتبار أن الدولة العبرية ستكون مستقبلاً جزءاً من مشروع اقتصادي من شأنه تعزيز دورها ومكانتها في الإقليم والعالم، إلّا أن المشروع المذكور يمكن وصفه بـ«الطموح جداً»، وهو «بداية لمسار طويل جداً» لأسباب عدّة، وإن كانت صحيفة «هآرتس» علّقت على إعلانه بالقول إنه «من ناحية إسرائيل، هو التطور الاقتصادي والديبلوماسي الأكثر أهمية، كونه يدمجها بشكل كامل ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، بل أيضاً في آسيا».يبدو من إعلان الاتفاق، الذي جاء عمومياً وضبابياً إلى حدّ كبير لافتقاره إلى معلومات حول جداوله الزمنية وجهات تمويله ومدّته، أن القائمين عليه تسرّعوا في إشهاره قبل اكتمال معالمه، في ظلّ نفاد الوقت واقتراب موعد «قمّة العشرين» في نيودلهي، وهو ما يفسّر عيوبه التي اتّضحت لاحقاً. وفيما وقّع أطراف الاتفاق (الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا)، بالفعل، مذكّرة تفاهم مبدئية، من الصعب في الوقت الراهن ترجيح مآلات المشروع، ومن بينها أن يضمّ إسرائيل نفسها. وإذ أشارت التسريبات، التي تولّت إسرائيل ضخّها، إلى أن الإعلان عن الممرّ الاقتصادي جاء بعد جهود ومفاوضات بين أطرافه امتدّت أشهراً طويلة، ومن بينها الزيارات المعلنة وغير المعلنة لمسؤولين أميركيين إلى المنطقة، فقد ظهر أن مشاركة الكيان في الممرّ العتيد كانت واحدة من البنود التي لم يجرِ الاتفاق عليها بين أطرافه، وبقيت بلا حلّ مع اقتراب موعد مؤتمر نيودلهي، ما يفسّر إغفال إيرادها في عدد من البيانات. ويرجع عدم الاتفاق على ضمّ تل أبيب، علناً، إلى أسباب عدّة، من بينها على ما يبدو تعثّر عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهو ما أكده مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بقوله إن «المشروع لا يبشّر بالتطبيع مع السعودية، والذي ما زال مساراً طويلاً»، وإن اعتبر أن «هكذا ممرّ سيعمل بشكل أفضل إن كانت إسرائيل داخله وليس خارجه».
المشروع يأتي ضمن المساعي الأميركية لمواجهة الصين وطموحاتها وتنامي نفوذها


في خلفية المشروع، فهو يأتي ضمن المساعي الأميركية لمواجهة الصين وطموحاتها وتنامي نفوذها. إذ تأمل واشنطن، من «الممر الاقتصادي»، أن ينافس مبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي تهدف إلى ربط الصين بأوروبا عبر عدد من دول المنطقة، فيما تعمل بشكل فعلي على صدّ جهود ربط بكين بقارات العالم. أما إسرائيلياً، فيجري الترويج للممرّ بأنه يتجاوز ما عمل عليه وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عام 2017، لناحية ربط إسرائيل بدول الخليج عبر السكك الحديدية، وهو الأمر الذي تناوله نتنياهو أخيراً - على الرغم من الشكوك حول مستقبل الاتفاق -، في محاولة لإظهار نفسه محصّلاً لفوائد اقتصادية للدولة العبرية. وليس ذلك مستغرباً، بل هو واحد من الأساليب (تضخيم الإنجازات أو إيجادها أو استباقها) التي يتبعها نتنياهو لصدّ معارضيه، كما يفعل الآن في مواجهة الحملة التي تقودها المعارضة ضدّه على خلفية الأزمة القضائية في إسرائيل.
في كلّ الأحوال، ثمّة تقديرات متباينة بشأن فرص نجاح المبادرة، وشمْلها إسرائيل، فيما يبدو احتمال فشلها مرجّحاً، وخصوصاً أنها تأتي في عصر غلبة المتغيّرات المفاجئة على المتغيّرات المتوقعة. وإن كان المسعى الأميركي، حالياً، جدياً في تمرير المشروع ومنع كلّ ما يعرقله، بما لا يستثني إسرائيل (في حال كان وجودها من العوامل المعرقلة)، فإن ثمّة تحدّيات كثيرة أمامه لا يجوز إغفالها: فما الذي سيكون عليه موقف مصر في حال حصارها اقتصادياً مع ما للممرّ من تأثير سلبي على رئتها الأهمّ المتمثّلة في قناة السويس؟ وماذا عن موقف تركيا التي كانت تريد أن تشكّل جزءاً من المشروع بدلاً من إسرائيل؟ وماذا عن إيران، وعن علاقاتها بالدول الخليجية وإمكانية توتّرها؟ بل وماذا عن الصين نفسها التي ترى، بلا مبالغات، أن الخطوة عدائية، وتهدف إلى منع تظهير مكانتها الطبيعية دولياً عبر طرق مواصلاتها بين الاتجاهات الأربعة؟ على أيّ حال، يبدو جديراً بالجميع، قبل بدء تخيّل صور القطارات التي تغادر أبو ظبي والرياض إلى الأردن، ومن ثمّ إلى الموانئ الإسرائيلية، أن يأخذوا نفَساً عميقاً، ويفحصوا حقول الألغام على طول هذا الطريق.