في نهاية سعيدة لمطالب ضمّ «الاتحاد الأفريقي» إلى «مجموعة العشرين»، قبلت القمّة الأخيرة للمجموعة، والتي عُقدت في العاصمة الهندية نيودلهي (9 - 10 الجاري)، عضوية الاتحاد، على رغم التباين الحادّ في الرؤى الخاصة بدولها، على المستويَين الإقليمي والدولي. وكانت المنظّمة القارية بدأت مساعيها لنيل العضوية قبل نحو سبعة أعوام، في موازاة خطواتها التي تعثّرت، على وقْع أزمتَي «كوفيد-19» وحرب أوكرانيا، لإقامة منطقة تجارة حرّة قارية بين دولها، كانت ستصبح، في حال إنجازها، السوق الأكبر عالميّاً (1.4 مليار نسمة في 55 دولة، بلغ إجمالي ناتجها المحلّي 3.4 تريليون دولار، بحسب تقديرات "البنك الدولي" لعام 2020).
«قمّة العشرين» وأفريقيا: مراجعة الأجندة
جاءت القمّة الأخيرة بعنوان فضفاض للغاية: «أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد»، ولكنّه دالّ على مقاربة «G20» التوسّعية في العالم؛ إذ ازدحم جدول أعمال قادة المجموعة (تضمّ أكبر 20 اقتصاداً في العالم، وتمثّل 80% من إجمالي الناتج المحلّي العالمي، و75% من التجارة الدولية الحالية)، بقضايا عدّة، أبرزها: الأزمة في أوكرانيا، والقروض المقدَّمة للدول النامية، وإصلاح منظومة الديون الدولية، وأثر التغييرات الجيوسياسية على أمن الغذاء والطاقة في العالم. وجاء بند ضمّ الاتحاد الأفريقي، كمحصّلة لجهود سابقة وصلت إلى نقطة تلاقٍ، عندما دفعت الولايات المتحدة، العام الماضي، بقوّة في اتّجاه هذه الخطوة. وهو موقف تبنّته قوى أخرى، أبرزها الهند والصين وروسيا، كما جنوب أفريقيا، كونها الدولة الأفريقية الوحيدة في المجموعة. وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، شدّد، في حزيران الماضي، على ضرورة ضمّ الاتحاد، وحجز مقعد له في «العشرين»، ليصبح ثاني منظّمة إقليمية، بعد الاتحاد الأوروبي، تنضمّ إلى المجموعة.
وعزّزت الدفعَ الجنوب أفريقي في اتّجاه تلك الخطوة، جهود ثلاث دول أفريقية أخرى، هي: نيجيريا ومصر وموريشيوس، التي حضر قادتها بصفة «ضيوف»، انضمّوا إلى مدعوّين آخرين، هم: قادة كلّ من سلطنة عمان وبنغلاديش وإسبانيا وسنغافورة والإمارات وهولندا. وقد استبق الرئيس النيجيري، بولا تينوبو، أعمال القمّة بزيارة للهند استمرّت خمسة أيام، تمكّن في خلالها من انتزاع تعهّد من نيودلهي بضخّ استثمارات بقيمة 14 مليار دولار في بلاده، ولا سيما في قطاع الطاقة. وتحدّث تينوبو عن امتلاك نيجيريا قدرة على لعب دور أكبر في نظام عالمي أكثر عدلاً، وداخل «العشرين» تحديداً، «والإسهام في تشكيل نظام عالمي جديد»، معتبراً أيضاً أن العضوية الأفريقية في المجموعة «تتيح فرصاً للعضوية مستقبلاً بطريقة تعكس توازن القوى النسبي وشمولية الإنسانية كعائلة واحدة».
كذلك، كان هناك حضور ملموس لمصر في القمّة، تحت شعار «تحقيق أهداف التنمية المستدامة» في مواجهة الأزمات العالمية المتعاقبة التي أَلحقت أضراراً بالغة بالاقتصاد والغذاء والطاقة. وبدا لافتاً الاجتماع الذي عقده الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، على هامش القمة، ومناقشتهما العلاقات الثنائية والتعاون في مجال الطاقة «والشؤون الإقليمية والدولية». ويبدو أن القمّة نفسها كانت مناسبة مهمّة للهند، بصفتها الدولة المضيفة، لتحقيق دفعة قوية في علاقتها مع الدول الأفريقية، وخصوصاً نيجيريا ومصر، وكذلك موريشيوس التي تكتسب أهميّة استراتيجية فائقة في ترتيبات الأمن الإقليمي في المحيط الهندي.
جاءت القمّة الأخيرة بعنوان فضفاض للغاية: «أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد»، ولكنّه دالّ على مقاربة «G20» التوسّعية في العالم


دلالات الخطوة: أزمة التفاؤل المبالغ فيه
ارتفعت توقّعات الأفارقة بقوّة إزاء ما سيترتّب على خطوة الضمّ، منذ دعوة رئيس الوزراء الهندي، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، رئيس جزر القمر غزالي عثماني، إلى الجلوس إلى مائدة رؤساء دول «G20». ورأى أغلب القادة الأفارقة أن الخطوة ستعزّز مشاركة أفريقيا في صياغة سياسات المجموعة وقراراتها بما يضمن حماية مصالح القارّة، وأنها ستتيح للأخيرة الإسهام الفعّال في مساعدة العالم لمواجهة تحدّياته. ولكن، عمليّاً، كان الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوسا، الممثّل الأبرز للقارّة في قمّة نيودلهي الأخيرة، بعدما ظَهر بصفته واحداً من أبرز الداعين إلى ضمّ الاتحاد إلى المجموعة، خلال انعقادها في بالي الإندونيسية، العام الماضي، في ما عُدّ في المحصّلة تطوّراً لافتاً لقيادة بلاده العمل الجماعي الأفريقي في المحافل الدولية، وذلك بعد استضافة جوهانسبرغ قمّة مجموعة «بريكس» الأخيرة. ورأى رامافاوسا أن شمول «الاتحاد الأفريقي» في عضوية المجموعة، من شأنه أن «يقود إلى تقوية الحوكمة الاقتصادية العالمية»، وأن «يوفّر للدول الأفريقية فرص التأثير في القرارات حول القضايا الرئيسة». وعلى رغم صلة بريتوريا الوثيقة ببكين، سواء على المستوى الثنائي أو على مستوى «بريكس»، حرصت الأولى على طرْح نفسها بوصفها قوّة أفريقية أولاً، ومن أبرز الداعين إلى تعزيز مصالح «الجنوب العالمي»، وتجاوز خطوط التنافس بين كبريات دول «مجموعة العشرين». وعلى سبيل المثال، طَرح رامافوسا أفكاراً محدّدة لتعزيز وتوسيع (مبادرة) «الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة» لتلبية التزامات التغيّر المناخي، وتسريع الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل).
وعلى رغم التفاؤل المبالغ فيه، فإن قراءةً في مقاربة المجموعة للقارة الأفريقية عبر ما عُرف بـ«G20 Africa Partnership» (الملحق بإعلان القمّة في ألمانيا 2017)، تكشف عن وجوب ترقُّب الخطوات الملموسة على الأرض. وطرحت تلك المقاربة ما سمّتها أعمدة الشراكة، ومنها: تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والتوظيف في أفريقيا (عبر "مبادرة توظيف الشباب الريفي")، وخلق 1.1 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2022، وتطوير بنية تحتية جيدة ولا سيما في قطاع الطاقة (تركّزت في الأساس في دول أفريقيا جنوب الصحراء في ما يتنافى مع رؤية الاتحاد الأفريقي لدوره)، وتقوية إطار التمويل الخاص. وبدا لافتاً أن شراكة المجموعة مع أفريقيا ركّزت على دول بعينها، هي: ساحل العاج وإثيوبيا وغانا والمغرب ورواندا والسنغال وتونس. كما فرضت مبادرة الشراكة إطاراً زمنياً غير محدّد لانضمام مزيد من الدول الأفريقية في عمليّة معقّدة للغاية «تمرّ عبر المنظّمات الدولية» (مثل "صندوق النقد الدولي") وصولاً إلى تكوين «فِرق» لتقديم تقارير حول سَيْر الإصلاحات في هذه الدول، قبل حسْم مسألة الدعم من عدمه.
ويبدو، خلافاً للتفاؤل السائد، أن المجموعة ستواصل اعتمادها على المؤسّسات الدولية والإقليمية في مقاربتها الأفريقية، ما قد يعني في المحصّلة عدم حدوث اختراق ملموس في المستقبل القريب. ودلّت على ذلك مشاركة كل من جنوب أفريقيا ومصر ونيجيريا وموريشيوس في اجتماع لقادة الاتحاد الأوروبي - أفريقيا على هامش القمّة بحضور رئيسَي «صندوق النقد» و«البنك» الدوليين بهدف مناقشة عضوية الاتحاد الأفريقي في «مجموعة العشرين»، والأمن الغذائي وإمدادات الحبوب والأسمدة، وإصلاح المؤسّسات المالية العالمية.

أفريقيا و«العشرين»: اللعب مع الكبار
لن يكون انضمام الاتحاد الأفريقي إلى «مجموعة العشرين»، على أيّ حال، مغيّراً للعبة في وضع أفريقيا ككلّ في المشهد الدولي (اقتصادياً في هذا المقام)، إذ إلى جانب تعقيدات إدارة الاتحاد لتمثيله للقارّة في المجموعة، فإن دول الأخيرة تواصل، من جهتها، سياسات الاستقطاب الاقتصادي في ما بينها، والنظر إلى أفريقيا - بشكل عام - على أنها مجال مستباح للنفوذ والتأثير، وليست شريكاً حقيقياً (في ضوء أن الاتحاد يمثّل 55 دولة متباينة الأهمية والتوجّهات). ودلّ على ذلك ما شهدته فعاليات القمّة نفسها من إعلان كلّ من الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والإمارات والسعودية، في بيان مشترك، عن إطلاق مشروع ضخم عُرف بـ«ممرّ الهند - الشرق الأوسط - أوروبا» الاقتصادي (IMEC)، وصفه مراقبون بالمنافس الرئيس لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي توغّلت بقوّة داخل القارة الأفريقية في العقد الأخير، ما يضع عضوية الاتحاد الأفريقي في صلْب مأزق هذا الاستقطاب، وربما يدفعه إلى حسم اصطفافه.
كما أن استمرار الخلافات البينية أفريقياً إزاء مجمل قضايا القارة وأزماتها، وسط عجز واضح للاتحاد الأفريقي عن حسْم الكثير من هذه القضايا (من دون إفساح الطريق أمام التدخلات الخارجية المباشرة وغير المباشرة)، يثير تساؤلات ومخاوف حقيقية حول قدرته على تمثيل دول القارّة في «مجموعة العشرين» تمثيلاً حقيقيّاً. وتلك تساؤلات تتضاءل للغاية أمام التساؤل الأهمّ والمغيّب مرحليّاً، وهو مدى قدرة الاقتصادات الأفريقية المستنزفة كلياً، منذ نحو خمسة أعوام، على تحقيق معدّلات تنمية حقيقية تدفعها إلى الصفوف الأولى في الاقتصادات العالمية، ولا سيما أن الاقتصادات الأفريقية مجتمعةً (التي لا تتجاوز حصتها 3% من الناتج الإجمالي العالمي) تضع القارّة متأخّرة عالميّاً، إذ تمثّل معاً 11.7% فقط من الناتج المحلّي للولايات المتحدة، و16% فقط من نظيره الصيني، وتقترب أكثر من ناتج المملكة المتحدة، وفق تقديرات عام 2022.
وهكذا، يبدو انضمام الاتحاد الأفريقي إلى «مجموعة العشرين»، أو «نادي الكبار العالمي»/ ذا طبيعة بروتوكولية ومشجّعة للقارّة الأفريقية على الصعيد الرسمي، من دون أن يعني بالضرورة منْح أفريقيا فرصاً حقيقية لتبوّؤ مكانة اقتصادية وسياسية ملائمة لدورها في الاقتصاد العالمي، بل ربّما يكون هذا الانضمام مجرّد «ترضية» عالمية للقارة التي تستشرف آفاقاً جديدة من الاستغلال وإعادة تقسيم خرائط النفوذ.