أحدثَ التقرير الأخير للبرلمان الأوروبي، والذي جاء فيه أن استئناف مفاوضات العضوية مع تركيا غير ممكن حالياً نظراً إلى عدم توفّر الشروط الملائمة لذلك، ما يشبه الصدمة لدى الجانب التركي، ولا سيما الرئيس رجب طيب إردوغان. وخلال زيارته إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة، قال إردوغان إن تركيا تُعيد تقييم الموقف من الاتحاد الأوروبي، وقد تفترق الطرق بينهما ويمضي كلّ في سبيله. وكان ساد الأوساط التركية، في أعقاب «قمّة فيلنيوس» وما رافقها من «تنازلات» تركية بشأن قبول عضوية السويد في «حلف شمال الأطلسي»، تفاؤل كبير بشأن عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن أمين عام «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، أعرب عن دعمه لهذه العضوية، وهو ما تبنّاه، أيضاً، الرئيس الأميركي، جو بايدن. ومع أن بعض قادة التكتّل الأوروبي سارعوا إلى التوضيح أنه لا علاقة بين المسألتَين، فقد ركّز الإعلام التركي الموالي لإردوغان على تلك الصِلة المفترضة، واضعاً إياها في العناوين الرئيسة في الصفحات الأولى، وذلك في محاولة لتبرير «تحوّلات فيلنيوس».إلّا أنه كان واضحاً، منذ البداية، أن ذلك الربط غير منطقي، فيما بدا أكثر عقلانية الحديث عن وعد واشنطن، أنقرة، بتسهيل عملية تحديث 40 طائرة «أف 16» من الطراز القديم، وبيعها عدداً مماثلاً من الطراز الجديد، كما عن إعطائها بعض المكاسب في سوريا على حساب نفوذ «وحدات حماية الشعب» الكردية. واليوم، وبعد صدور تقرير البرلمان الأوروبي، بدا كما لو أن ماءً بارداً صُبّ فوق رأس تركيا، لتبدأ زيارة إردوغان إلى نيويورك في أجواء محبَطة ومتشنّجة، وهو ما تبيّن في ردّة فعل الرئيس على التقرير، حيث قال إنه «في هذه المرحلة التي يقوم الاتحاد الأوروبي فيها بحملات للقطع مع تركيا، فإن تركيا بدورها تقوم بتقييماتها. وإذا تطلّب الأمر فقد نفترق عن الاتحاد الأوروبي»، في تهديد يعكس حال التوتّر القائمة منذ عام 2006، تاريخ توقّف محادثات العضوية، بسبب تباين آراء الجانبيَن حول كلّ القضايا المطلوب الاتفاق بشأنها. وفي محاولة للتخفيف من هذا التشنّج، بادر رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، إلى المطالبة بإبقاء الأبواب مفتوحة أمام الحوار بين تركيا والاتحاد الأوروبي، معتبراً أن «التقارب الأوروبي - التركي يمرّ بتطبيع العلاقات بين تركيا واليونان».
وعلى المقلب التركي الداخلي، جاءت ردّة فعل بعض الأقلام الموالية لإردوغان عنيفة جدّاً، إلى درجة المطالبة بقطع العلاقة نهائياً مع الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار، وصف الكاتب آيدين أونال، في صحيفة «يني شفق» الموالية، تهديدات إردوغان بأنها «مهمّة جدّاً لناحية التوقيت ولناحية المضمون»، مذكّراً بأن «حزب العدالة والتنمية أَولى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي أهمية قصوى، وأعرب، عندما لم يكن قد مضى على وصوله إلى السلطة سوى شهر واحد، عن أمله ببدء المفاوضات مع الاتحاد في أسرع وقت، وهو ما حصل في 3 تشرين الأول 2005، وكان ذلك لصالح تركيا التي استفادت اقتصادياً ورفعت مستوى المعايير الديموقراطية ووسّعت مجال الحريات والديموقراطية». ويستدرك بأن «الجانب الأوروبي بدأ يضع العصيّ في الدواليب، فيما لم تغيّر أوروبا نهج التعامل باستعلاء مع تركيا، إذ قبلت قبرص عضواً في الاتحاد، فيما بدأت الفيتوات ترتفع من اليونان ومن قبرص».
كان واضحاً، منذ البداية، أن الربط بين عضوية السويد في «الناتو» وعضوية تركيا في «الأوروبي» غير منطقي


ورأى أونال أن «تصميم تركيا على مكافحة الإرهاب، ونجاحها في ذلك، كانا يثيران قلق الاتحاد الأوروبي، في حين لم يتوقّف الدعم المالي للإرهاب الكردي في العديد من الدول الأوروبية»، مضيفاً أن «العلاقات مع الاتحاد وصلت إلى حافّة الانقطاع الكامل بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016، حيث لم تُدِن أوروبا بما يكفي من قوة محاولة الانقلاب، ومنحت بعض عناصر جماعة فتح الله غولين التي تقف وراء المحاولة ملجأ آمناً فيها»، متابعاً أنه «في ظلّ هذه الأجواء السلبية، مضت تركيا وحدها في تحقيق الإصلاحات من دون الحاجة إلى مظلّة الاتحاد الأوروبي، لا بل إن إردوغان اتّبع سياسة خارجية لا تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي في أيّ قضية». وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن «تقرير البرلمان الأوروبي عن تركيا لعام 2022، يؤكد أن الاتحاد لن يتبع أيّ سياسة حيادية وبنّاءة تجاه تركيا. اليوم نقول إن تركيا ليست بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي»، معتبراً أن إردوغان يقول للأوروبيين ما معناه: «من الآن فصاعداً، المسألة مسألتكم والقلق قلقكم. إذا سلكتم مساراً جيداً مع تركيا فهذا من مصلحتكم، وإذا سلكتم مساراً سيّئاً فذلك لن يكون ضدّ مصلحة تركيا فحسب، بل ضدّ مصلحتكم أيضاً».
ورأى أونال أن «الاتحاد الأوروبي فقد الكثير من قوته مع كورونا والأزمة المالية العالمية وخروج بريطانيا منه، وهو اليوم على وشك خسارة تركيا»، مشيراً إلى أنه «منذ لوزان والعلاقة مع الغرب وأوروبا تسير في ظروف معقّدة ومَرَضية». واعتبر أن «تركيا بتهديدها بالخروج نهائياً من عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ستنتقل إلى مرحلة أعلى»، مذكّراً بأن «إردوغان قالها بوضوح: "مهما فعلنا فلن يقبلونا"». وخلص إلى أن «القطع مع مسار الانضمام سيجعل تركيا تُحقّق حلمها. ما نحتاجه فقط الثقة بالنفس، وقطع العلاقات إذا حصل سيجعل الأمّة تصنع سقف ثقتها بنفسها».
من جهته، تساءل المعلّق المعروف، فهمي قورو، عمّا إذا «كانت هناك طريق أصلاً مع الاتحاد الأوروبي لنقطعها الآن؟»، ليجيب بأنه «منذ الستينيات، ونحن نربط مستقبلنا بالاتحاد الأوروبي عندما كان سوقاً مشتركة. كنّا واليونان معاً. دخلت اليونان، وبقينا نحن نسير على الأقدام. من حينها، بدأ القطع مع أوروبا». وأضاف قورو أنه «العلاقات شهدت طلعات ونزلات، إلى أن جاءت سلطة العدالة والتنمية، وتعهّدت للناس بالعضوية الكاملة في الاتحاد. تجاوبت أوروبا آنذاك، وحتى البرلمان الأوروبي فتح الطريق بقراراته أمام تركيا، لكن سرعان ما توقّفت المحادثات عام 2006؛ أوّلاً، لأن تركيا لم تنجح في ترجمة معايير كوبنهاغن إلى إجراءات عملية على الرغم من كلّ جهودها لفعل ذلك، وثانياً، لأن تركيا لم تنسجم بالكامل مع معايير ماستريخت الاقتصادية رغم اقترابها منها». وتابع أنه «مرّت على ذلك سنوات كثيرة، والعلاقات بحكم المنقطعة، ولذا، لا معنى الآن لقول إردوغان إنه بصدد تقييم ما إذا كانت تركيا ستقطع مسار عملية التفاوض نهائياً أم لا»، مرجعاً الحديث السائد عن أن «هناك مساراً قائماً بالفعل، إلى الانطباع الذي ظهر خلال قمّة فيلنيوس بعدما أسقطت تركيا اعتراضها على انضمام فنلندا ومن ثمّ السويد إلى "الناتو"»، مذكّراً بأن «أنقرة كانت تقول في السابق إنه إذا لم تكن هناك معايير كوبنهاغن، فهناك معايير أنقرة، لكن تَبيّن أنه حتى معايير أنقرة غير موجودة».