بالتزامن مع التحديات والاستحقاقات الداخلية والاقليمية، تشهد المنظومتان الأمنية والسياسية في كيان العدو مناقشات داخلية لبلورة موقف حاسم من طرح عقد «تحالف دفاع» مشترك مع واشنطن، في خطوة تعكس الهاجس الذي يُهيمن على منظومة القرار ازاء مستقبل اسرائيل وأمنها القومي.ضمن هذا الإطار، أتت لقاءات وزير الشؤون الاستراتيجية رون دريمر، مع رئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، ورئيس «الموساد»، دافيد برنياع، في الأسابيع الأخيرة، بهدف نيل تأييد المنظومتين العسكرية والأمنية الذي من دونه سيكون من الصعب الترويج لمثل هذا الاتفاق الذي سبق طرحه في أكثر من محطة سابقة وعارضه رئيسا أركان الجيش، غادي ايزنكوت، وبني غانتس، في كل ما كان يُطرح خلال ولاتيهما. وتنطلق المعارضة التقليدية للجيش لهذا الطرح، على رغم ما يحمله من مزايا إيجابية لأمن اسرائيل، من مخاوفه من تقييد هامشه العملياتي، لأنه في تلك الحالة، لن يكون بالإمكان المبادرة إلى عمليات محدودة من دون موافقة الولايات المتحدة، وبالتأكيد العمليات التي قد تنطوي على إمكانية التدحرج نحو مواجهة عسكرية، كونها قد تورّط الولايات المتحدة بموجب اتفاق الدفاع المشترك.
من أجل تفادي هذه العقبة – الهاجس، ولتجاوز معارضة الجيش، تم إدخال بنود محددة عليه حتى لا يكون دفاعاً شاملا لجميع مستويات التهديد، وإنما يتضمّن بشكل دقيق تهديدات وجودية مثل النووي الإيراني، أو الهجوم بأسلحة غير تقليدية من قبل أطراف أخرى في المنطقة، أو سيناريوهات التصعيد الشديدة للغاية.
في ضوء ذلك، يصبح جلياً أن طرح فكرة التحالف الدفاعي مع واشنطن هو نتيجة تقديرات قامت بها جهات محدّدة على وقع المتغيّرات الاستراتيجية والعملياتية التي ترى فيها تل ابيب تهديداً لأمنها القومي. وينطوي طرح هذا التحالف في السياقات والمتغيّرات التي لا تزال متواصلة وفي طور التشكّل، على مجموعة من الأبعاد والرسائل التي تناولها أيضاً خبراء ومعلقون في كيان العدو.
من الواضح أن هذا التحالف يهدف إلى توجيه رسالة صريحة ومباشرة بأن الولايات المتحدة تلتزم بشكل رسمي الدفاع عن إسرائيل في حال مهاجمتها. والإعلان عن أن أي هجوم ضدها موجّه عملياً ضد الولايات المتحدة. وهو موقف – بنظر من يروّجون للتحالف - أصبح أكثر إلحاحاً في ضوء المخاطر المتصاعدة التي تهدّد مستقبل إسرائيل وأمنها القومي. ليس بعيداً عمّا تقدم، يتزامن هذا الطرح أيضاً مع المتغيرات الداخلية والخارجية التي تُسرِّع من تآكل قوة الردع الإسرائيلي الذي تحذر الاستخبارات العسكرية من تداعياته على حاضر ومستقبل إسرائيل. ونتيجة ذلك، فإن هذا الطرح – بغض النظر عما سيؤول اليه في نهاية المطاف - يهدف إلى تعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية، سواء بالنسبة لحلفائها وأصدقائها أو أعدائها، وهي محاولة لإعادة ترميم قوة الردع الاسرائيلية والإيحاء بأن حرّية العمل ضد إيران وحلفائها أصبحت أكثر اتساعاً، انطلاقاً من أن أي رد استراتيجي ومتدحرج سيؤدي الى تدخل عسكري مباشر من قبل الجيش الاميركي.
إسرائيل لا تثق بقدراتها على مواجهة التهديدات


وهكذا تتقاطع كل هذه العوامل لتصب في مسار يستهدف إعادة تعزيز الشعور بالأمن لدى كيان العدو الذي يزداد تدهوراً، في البعدين القومي والشخصي. وهو أمر أصبح أكثر الحاحاً في ضوء المتغيرات الداخلية (الانقسامات) والإقليمية (الانكفاء في مواجهة «حزب الله» وإيران) التي تُعمِّق المسار الانحداري لتآكل قوة الردع الاستراتيجي لإسرائيل.
في المقابل، يكشف طرح «التحالف الدفاعي» بين واشنطن وتل أبيب عن مجموعة حقائق إضافية، أبرزها فشل كل المخطّطات الأميركية والإسرائيلية السابقة التي هدفت إلى منع تصاعد محور المقاومة وتعاظم قدراته. ويؤشر أيضاً إلى إقرار صريح بالتحوّل الجوهري في موازين القوى ومحدودية خيارات وقدرات اسرائيل إزاءها. وهكذا تبرز أيضاً حقيقة عدم ثقة قادة إسرائيل بقدراتها الذاتية على مواجهة التهديدات المتصاعدة، على رغم أنهم في الخطاب السياسي يشدّدون على ضرورة مواجهة إسرائيل للتهديدات المحدقة بها بقدراتها الذاتية.
وفي ما يتعلق بالبعد الاميركي، فإن العامل الحاسم في اتخاذ القرارات لا يقتصر على الاتفاقيات، وإنما يتّصل أيضاً بشكل رئيسي بالظروف السياسية وأولويات واشنطن وتقديرها للمخاطر. وضمن هذا الإطار، يأتي ما لفت إليه مستشار الأمن القومي السابق يعقوب ناغل، عن أن هذا الاتفاق يمكن أن يستغله رئيس أميركي «معاد» (يجب عدم أخذ العبارة على ظاهرها، فالمعيار في هذا التصنيف هو إسرائيلي بالمعنى الضيق للكلمة)، ويوجد طرق عديدة لذلك، في إشارة إلى أنه يمكن أن يساهم في تقييدها وتضييق هامش المناورة لديها.
ولفت العميد ناغل الى أن «فرضية اعتبار أن التحالف (الدفاعي) يساهم في تحسين حرية عمل إسرائيل ضد ايران هو أمر خاطئ»، ولذلك أكد أن «الولايات المتحدة لن تكون ملزمة بحماية اسرائيل، بموجب نص التحالف، إذا هاجمت منشآت إيران النووية». وفيما يتعلق بتقدير النتائج العملية لهذا الاتفاق المفترض، يؤكد ناغل أيضاً على أن «إيران ستتصرف بعدوانية، مع أو بدون تحالف» في إشارة إلى خياراتها النووية والإقليمية. ونتيجة ذلك «سيصبح التحالف سيفاً ذا حدين، ولديه القدرة على إلحاق ضرر شديد بالردع الإسرائيلي، بناءً على رسالة غير مباشرة مفادها أن إسرائيل لا تثق بقدراتها المستقلة، وتحتاج لدعم الولايات المتحدة». أضف إلى ذلك أن «التحالف سيعطي الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي فقط سبباً آخر لعدم مهاجمة إيران، وعدم مهاجمة البنية التحتية الخطرة ومنشآت حزب الله في لبنان لإنتاج الاسلحة الدقيقة».