لا تزال العملية التي تبنّاها «حزب العمال الكردستاني»، واستهدفت العمق الأمني والسياسي للدولة التركية في قلب عاصمتها أنقرة، تلقي بظلالها على المشهد، مثيرةً جملة من التعليقات والتحليلات، وخصوصاً بعدما توعّد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في خطابه السنوي أمام النواب، «الإرهابيين»، بالمجيء إليهم في عقر دارهم «فجأةً ذات ليلة». وإذ شنّت المقاتلات التركية غارات على أهداف لـ«الكردستاني» في شمال العراق كـ«ردّ أوّلي» على العملية، فإن ما ورد في تعليقات الصحافة التركية، ولا سيما تلك الموالية لإردوغان، حمل الكثير من النقاط الدالّة حول ما ستحمله الأيام المقبلة.وفي هذا الإطار، برز ما نشره الكاتب السياسي المقرّب من الرئيس، عبد القادر سيلفي، والذي بدا من خلاله كما لو أنه يفتح النار مباشرة على سوريا ويحمّلها بشكل غير مباشر مسؤولية الهجوم. وأشار سيلفي، في مقالة في صحيفة «حرييات»، إلى أن المسلّحَين استخدما سيارة مسروقة من مدينة قيصري، وتلقّيا تعليمات مباشرة من المسؤول الكردي البارز، مراد قره ييلان، بضرورة تنفيذ مهمّتهما أمام البرلمان التركي وقبالة وزارة الداخلية، ذاهباً إلى أبعد من ذلك بالقول إنه على الرغم من كلّ التدابير التي اتخذتها السلطات التركية، فإن المسلّحَين يمكن أن يكونا قد أتيا من سوريا وصولاً إلى قيصري، محمّلَين بصاروخ من صناعة روسية وبندقية من صناعة أميركية. وعلّق سيلفي على ما تَقدّم بأنه «قد لا يكفي تركيا أن يكون لها شريط أمني داخل سوريا بعمق ثلاثين كيلومتراً»، معتبراً أن «هذا الخطّ يمكن أن يتمدّد من خلال عملية تقوم بها تركيا "فجأة ذات ليلة"»، متحاشياً الجزم بحجم هذه العملية ومداها.
وكان إردوغان توعّد بأن الردّ الفعلي على الهجوم «سيحصل، ويبقى فقط توفّر الظروف والوقت المناسبين. ولا يجب أن يشكّ أحد في ذلك». وفي تعليقها على ذلك، أشارت الكاتبة هاندي فرات، في مقالة بعنوان «تركيا بصدد "عملية الكنس" على الحدود الجنوبية» في الصحيفة نفسها، إلى أن «تركيا نجحت في مواجهة الإرهاب، وفي تصحيح علاقاتها الخارجية، وهي تتقدّم نحو تحقيق مصالحها الوطنية من دون التبعية لأحد»، مضيفةً أن «تركيا نجحت في التعطيل الكامل لقدرات حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي، ونجحت على حدودها الجنوبية، على الرغم من وجود قوى دولية هناك، في إنشاء حزام أمني حال دون إقامة "ممرّ للإرهاب"»، متابعةً أن «عمليات الجيش التركي نجحت في شمال العراق أيضاً، في شلّ قدرات حزب العمال إلى حدّ كبير، على الرغم من كلّ الدعم العسكري الذي توفّره الولايات المتحدة للحزب». وخلصت إلى أن «الكردستاني» الآن «أمام مرحلة إثبات الوجود ليس أكثر، والقول: "أنا هنا، لم أنتهِ بعد وقادر على أن أضرب في القلب التركي"، وفي هذا رسالة أولاً إلى مقاتليه، وثانياً إلى الدول الداعمة له». وإذ لفتت إلى أن «الصاروخ الروسي والبندقية الأميركية اللذين كانا بحوزة المسلّحَين، هما من النوع الذي يُستخدم في سوريا»، فقد أفادت بأن «التحقيق يَجري حول احتمال أن يكون هذا السلاح قد أُدخل إلى تركيا عبر طائرة مسيّرة». وأعربت عن اعتقادها بأن الملحّ اليوم هو «طبيعة الردّ التركي على الإرهاب الذي أصبح بالنسبة إلى تركيا مسألة خارجية وليست داخلية»، مضيفةً أنه «بات معروفاً أن ساحة الردّ ستكون في سوريا والعراق، وخصوصاً في المنطقة الواصلة بين البلدَين، أي منطقة سنجار»، متابعةً أن «أنقرة تتهيّأ للقيام بعملية "كنس" في الحزام الأمني داخل سوريا والعراق، ولن يكون مفاجئاً إذا ما نفّذ إردوغان تهديداته "فجأة ذات ليلة"».
توعّد إردوغان بأن الردّ الفعلي على الهجوم «سيحصل، ويبقى فقط توفّر الظروف والوقت المناسبين»


من جهته، كتب المعلّق الموالي، نديم شينير، أن «عملية أنقرة أُعدّ لها بدقّة، ليس فقط لناحية التوقيت والمكان، بل وأيضاً الأهداف التي أريدت منها؛ فاستخدام سيارة مسروقة من قيصري والمجيء بها إلى أنقرة يعني أنها جالت في شوارع العاصمة قبل الوصول إلى هدفها»، الذي بدا لافتاً تحديده بـ«وزارة الداخلية والبرلمان»، معتبراً، في اتّهام مبطن لسوريا، أن «العملية تُظهر أن ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا لا تزال قوية». ورأى شينير أن «الحزب بهذه العملية إنما ينفّذ "إرهاب الفتنة"، والذي يريد له أن يتّسع لهدم النظام العام وتخريب الأمن»، مضيفاً أن «الهجوم يشبه عملية شارع الاستقلال في 6 تشرين الثاني الماضي، والتي أريدَ منها حينها أن تشكّل بداية لموجة عمليات لبثّ الفتنة في الطريق إلى الانتخابات الرئاسية، تقوم بها مجموعات تدعمها الحكومة السورية».
ووجّه عبد الله قره قوش، بدوره، في مقالة في صحيفة «ميللييات» الموالية، سهامه نحو الولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي»، الذي اعتبر أنه «تحوّل إلى منظمة إرهابية، وبعض دوله لا تريد رؤية الإرهاب، وما لم يطرق الإرهاب أبوابها، فستبقى خارج السمع». وأشار قوش إلى أنه «من دون دعم خارجي، ما كان للإرهابيين أن يحصلوا على السلاح والصواريخ»، مضيفاً أن «بعض دول "الأطلسي" تمدّ الإرهاب بالسلاح وبعضها الآخر بالمال، لكن عندما تطالب تركيا بمناقشة الإرهاب، يضعونه عند مدخل الباب ولا يناقشونه». وتابع أن «الولايات المتحدة لن تقارب بإيجابية دعوات مكافحة الإرهاب من على بعد عشرة آلاف كيلومتر، ولكنها مستعدة من على هذا البعد أن ترسل السلاح للإرهابيين»، داعياً الغرب إلى «وقف دعم الإرهاب لأنه سيكون هو أيضاً بين الخاسرين». ونبّه إلى أن «فتح السويد ساحتها للإرهاب كلّ يوم، سيجعل من الصعوبة أن يتّخذ البرلمان التركي قراراً بتأييد عضويتها في الأطلسي».
وفي الاتجاه نفسه، اتّهم تامر قرقماز الولايات المتحدة بالوقوف وراء تفجير أنقرة، واصفاً، في مقالة في صحيفة «يني شفق» الموالية، المسلّحين الأكراد بأنهم «الجنود الوكلاء للولايات المتحدة». واعتبر أن «تركيا تخوض حرباً سرية ضدّ الولايات المتحدة التي هي دولة إرهابية ومهندسة الإرهاب في العالم، والعمليات الإرهابية الموجَّهة إلى تركيا هي بالكامل من صنعها»، مضيفاً أن «أميركا هي التي وضعت حزب العمال في شمال العراق، وهي التي أنشأت امتداداته في سوريا، وكلّ العمليات التي قامت بها أنقرة منذ عام 2015 ضدّ الإرهاب لم تجد سروراً لدى واشنطن». وخلص إلى أن «البرلمان التركي، في الظروف الحالية، يجب ألّا يوافق على عضوية السويد في الأطلسي. وفي الحال المعاكسة، ستكون الكارثة على تركيا ثقيلة للغاية».