مع توالي المواقف التركية المعارِضة لعملية «طوفان الأقصى»، رأى الرئيس رجب طيب إردوغان، أن الحلّ الوحيد للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يكمن في «حلّ الدولتَين»، والذي لا يحتاج، وفقاً له، إلى «مزيد من التأخير». لكنّ ما جاء على لسان الرئيس السابق للبرلمان التركي، وآخر القياديّين البارزين في «حزب العدالة والتنمية»، بولنت أرينتش، كان بمنزلة انعكاس للتحوّلات التي طرأت على موقف تركيا، التي باتت تقف على مسافة واحدة من «الطرفَين» الفلسطيني والإسرائيلي، وتدعو، كما قال رئيسها، إلى «الهدوء والاعتدال». وممّا صرّح به أرينتش، في مناسبة افتتاح معرض الكتاب الثالث عشر، المُقام في مدينة قوجا علي، إلى جانب انتقاده حركة «حماس»، إن «هناك حلّ الدولتَين. إسرائيل لا تعترف به، ولكن حماس أيضاً لا تريد الاعتراف بإسرائيل». وأضاف: «دائماً ما نصحتُ الإخوة في حماس، بالقول: أنتم ماذا لديكم؟ ماذا تمتلكون من قوّة؟ ما تحتاجونه كلّه، حتى الطعام، يأتي من الخارج. ترمون على إسرائيل ما يعادل طنين الذباب، وتردّ إسرائيل بالقنابل على رؤوسكم. ثمّ تقول إسرائيل إنكم تهاجمونها. أنتم بذلك تمنحون إسرائيل بعضاً من الحقانية. لماذا تفعلون ذلك؟ ما هي مصلحتنا في ذلك؟ إنهم لا يصغون. بالأمس تحدّث رئيس جمهوريتنا في مؤتمر الحزب، وقال كلاماً جميلاً جدّاً: أوصي الطرفَين بالهدوء». وموجّهاً خطابه إلى «حماس»، تابع أرينتش: «إنكم تتركوننا في موقف صعب. نحن نعرف حقّكم في هذه البلاد، ولكن ذلك يكون عبر السلام. أيّ قوّة نملك؟ ومع أيّ قوّة تتحاربون؟ لقد رميتم صاروخاً، ولكن ماذا بعد ذلك؟ أليس من إنسان يفكّر في ذلك؟»وفتحت صحيفة «ميللييات» الموالية، بدورها، صفحاتها لحوار أجرته مع سفيرة إسرائيل لدى تركيا، إيريت ليليان، التي أفاضت في وصْف عمليات المقاومة بـ«الوحشية والبربرية». وبعدما طالبت أنقرة بإغلاق مكتب «حماس» لديها، تحدّثت عن تركيا بوصفها «بلداً محبّاً للسلام»، قائلةً إنها «تثق بصدق إردوغان عندما يدعو إلى الهدوء والسلام بين الأطراف، وواثقة بأن الأتراك، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، قد صُدموا بالمشاهد... وسيعملون ما في وسعهم كلّه للوصول إلى نقطة منطقيّة في الصراع». كذلك، انضمّ أوزاي شيندير، الكاتب الموالي للسلطة في «ميللييات»، إلى رهط المنتقدين لـ«حماس»، إذ عدّ أن «تركيا تبقى البلد الذي سيطرقون بابه للحلّ». لكن «مشاهد المدنيين الإسرائيليين الذين أمسكت بهم حماس لا يمكن النظر إليها. هذه المشاهد لا تذكّر بما يعيشه سكّان غزة، بل على العكس، فهي تُظهر إسرائيل في موقع الضحية. ففي عالم اليوم، لا يمكن كسب الحرب، إذا لم تكسبها في عالم الدعاية»، وفقاً لما أضاف.
دعا الرئيس التركي إلى «حلّ الدولتَين»، والذي لا يحتاج، وفقاً له، إلى «مزيد من التأخير»


وفي الإطار نفسه، توقّع الباحث علي فائق ديمير، في حوار مع «جمهوريّات»، اتّساع الصدام بين إسرائيل والفلسطينيين، قائلاً: «لقد أطلقت حماس «طوفان الأقصى»، وردّت إسرائيل بـ»السيوف الحديدة». حسناً، إلى أين تريد إسرائيل أن تذهب في عمليتها؟»، ليجيب بأن «احتمال اتّساع الحرب ليس خارج الحسابات. فإيران تدعم حماس، وروسيا جارة إيران... لذا يجب مراقبة الموقف الروسي من كثب». أمّا تركيا، «فيمكن، عبر موقفها الحيادي، أن تضطلع بدور الوساطة بين الجانبَين». وفي الصحيفة نفسها، كتب محمد علي غولر، أنه «مهما قيل عن بعض المشاهد في عمليّة «طوفان الأقصى»، لكنّ إسرائيل هي الأكثر تعصبّاً دينيّاً وعرقيّاً، والأكثر إرهابية والأكثر وحشيّة. هي بطل لا يمكن منازعته في ذلك كلّه». ووفقاً لغولر، «ربّما تكون حماس تهدف، من وراء العمليّة، إلى تخريب مسار التطبيع الإسرائيلي - السعودي، أو إحراج محمود عباس للحلول مكانه. لكن مع ذلك، فإن الحلّ الوحيد هو انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة».
وبالعودة إلى «ميللييات»، رأت دينيز كيليسلي أوغلو أن «عداء إيران لإسرائيل معروف، واتهام إسرائيل لها بدعم حماس ليس بجديد... ولكن ازدياد التأثير الإيراني في المنطقة اتّضح بعد عمليّة «طوفان الأقصى». ومن دون الدعم الإيراني، لَما كانت حماس على هذه الدرجة من الجرأة لفعل مثل هذه الهجمات». وفي «غازيتيه دوار»، كتب فهيم طاشتكين: «في الشهر الماضي، كان السعوديون يرقصون طرباً عندما قال محمد بن سلمان إنهم على وشك التطبيع مع إسرائيل. لكن عمليّة «طوفان الأقصى» جاءت لتقطع الطريق على هذه العمليّة». وبعدما عدّد الكاتب دلالات الحرب الحالية، عدّ أن «الخطّ الأخير الذي تحاول عملية الأقصى رسمه هو أن التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ليس آمناً. والقضيّة الفلسطينية لن تُدفَن تحت التراب من أجل مصالح بعض الدول. تحاول هذه الدول، مِثل البحرين والسودان والإمارات والمغرب، إيهام الرأي العام لديها بأن التطبيع يخدم القضيّة الفلسطينية، فيما إسرائيل تقضم أراضي الضفة الغربية وتبني عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في المستوطنات». ولأن عمليّة «طوفان الأقصى» تثير قلق أنقرة، وفقاً للكاتب مراد يتكين، جاء موقف إردوغان داعياً إلى الهدوء. لكن الكاتب أشار إلى جانب آخر من هذا القلق، وهو أنه «يضع على الرفّ الخطط المشتركة للتعاون في التنقيب عن الغاز بين تركيا وإسرائيل، فيما لا يمكن تجاهل التأثير الكبير للعمليّة في مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية وغيرها من الدول العربية، كما في الممرّ الهندي الذي يلحظ ميناء عسقلان إحدى محطّاته، والذي تعرّض للقصف في عملية طوفان الأقصى. وفوق ذلك كلّه، تبدو إيران رابحة بالمعايير كافة».
وفي نظر يوسف ضيا جومرت، في «قرار»، «حظيت إسرائيل بامتيازات استثنائية من دول العالم. تضرب متى تشاء وتقتل كلّما أرادت. ولم تتحرّك أميركا وأوروبا، بل دعمتا إسرائيل في كل شيء». ولكن «الحكاية لم تَعُد هي نفسها. حركتا حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، وبتنسيق كامل في ما بينهم، هاجموا إسرائيل وسيطروا على أكثر من 50 نقطة على حدود غزة. كانت عمليّة شاملة وناجحة، أُسر فيها عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، وقتل المئات منهم، وفقاً لإسرائيل نفسها. لم يَعُد الفلسطينيون وحدهم يموتون. الإسرائيليون أيضاً يُقتلون. هذا ليس بسيطاً. فحيث تجلس في أنقرة أو إسطنبول، فإنك تجد الحماسة من أجل حماس». ورأى أخيراً أنه «يجب إجبار إسرائيل على السلام، وإنهاء امتياز قتلها للآخرين. والولايات المتحدة هي الوحيدة التي تمتلك امتياز الضغط على إسرائيل، لكنها لن تفعل. لذا، لا حلّ قريباً في الأفق».