لم يفكّ «حزب العدالة والتنمية» بعد «عقدة لسانه»، سواء على المستوى الرسمي، أو على مستوى بعض الكتابات الموالية له. فالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، اكتفى بإجراء اتّصالات هاتفية مع عدد من الزعماء، من بينهم شريكه في «النأي بالنفس»، رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، إذ لم يتّصل، إلى الآن، بأحد من زعماء حركة «حماس»، بل اكتفى بالحديث إلى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. وكذلك فعل وزير خارجيته، حاقان فيدان، الذي يحاذر بدوره الاتصال بأحد من قادة المقاومة، إنْ لم يكن للتضامن، فعلى الأقلّ للتعزية. وعلى ما يبدو، فإن الخشية من إغضاب تل أبيب، وما سيترتّب على هذا من ضعضعة للتحالف معها على أكثر من مستوى، يدفعان أنقرة إلى الامتناع عن التواصل مع قادة المقاومة الفلسطينية، على رغم الإبادة الوحشية التي يتعرّض لها الأهالي في قطاع غزة.ولا شكّ في أن الموقف التركي، الممهور بسياسة «النأي بالنفس» و«الحياد»، لم يقتصر على السلطة الرسمية، ممثّلةً بـ«حزب العدالة والتنمية»؛ فـ«الحركة القومية»، شريك إردوغان في «تحالف الجمهور» الحاكم، لم يُصدِر بياناً يعلّق فيه على الأحداث في غزة، إلى أن استيقظ زعيمه، دولت باهتشلي، على انتقادات رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو. ومع ذلك، لم يأتِ باهتشلي بجديد، بل كرّر موقف إردوغان الداعي إلى وقف إطلاق النار، منتقداً قتْل المدنيين من كلا الجانبَين. أيضاً، كان لزعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، موقف مخزٍ، إذ قالت إن «القضيّة الفلسطينية المحقّة اتّسخت بالإرهاب»، فيما اكتفى زعيم «حزب النصر» الصغير، أوميت أوزداغ، المعروف بعدائه للاجئين السوريين، بانتقاد حركات المقاومة الفلسطينية.
وكانت لافتة، إلى جانب ما تَقدّم، إشارة صحيفة «حرييات» الموالية، إلى «مقتل 260 من عشّاق الموسيقى»، في تعليقها على مقتل المشاركين في «الهذيان الصحراوي» في «غلاف غزة»، وإبرازها صور قتلى العدو، كما صورة كبيرة لمواطنة ألمانية قُتلت في إسرائيل، فيما لم تتضامن مع عشرات المدنيين الفلسطينيين الذين يُستشهدون تحت ركام القصف الهمجي. وامتلأت صحف أخرى بروايات وصور تعكس تشويهاً متعمّداً لصورة المقاوم الفلسطيني؛ من مثل إبراز مسألة العثور على جثة فتاة ألمانية في إحدى الشاحنات، قالت إنها «تعرّضت لممارسات غير أخلاقية، وسُرقت منها بطاقتها الائتمانية التي استُعملت في غزة لسحب المال».
ومن بين التعليقات، برزت دعوة الكاتب المعروف، طه آقيول، تركيا، إلى «التعامل بواقعية وحكمة مع الوضع في غزة، والأخذ في الحسبان أمنها ومستقبلها». وفي تأييد ضمني لموقف إردوغان الحيادي من الحرب على غزة، قال: «تركيا دفعت ثمناً باهظاً لقاء دعمها للإخوان المسلمين. واصطدمت من أجل ذلك مع مصر ومع كل العرب. ومع أن انتقادها لإسرائيل كان محقّاً، غير أن ذهابها إلى حدّ التصادم السياسي معها، كان خاطئاً، إذ كان الاقتصاد أوّل المتضرّرين. ورأينا اختلال موازين القوى في شرق المتوسط وجيوبوليتيك الطاقة». وأضاف: «اليوم، هو للعمل على استجماع الوضع في الاقتصاد وكذلك في السياسة، وهذا لا يكون بالانفعال بل دائماً بالعقلانية».
وانضمّ إبراهيم كيراز، في صحيفة «قرار»، إلى قافلة الكتّاب الذين انتقدوا حركة «حماس»، بعد هجومها الأخير؛ إذ رأى أن «لحركة حماس كلّ الحقّ القانوني والسياسي والأخلاقي في الدفاع عن نفسها ضدّ سياسات إسرائيل المغتصبة. لكن الطريقة التي ظهرت في الهجوم الأخير، أثارت شكوكاً في الشرعية الأخلاقية للمقاومة»، إذ «لا يمكن لأحد أن يقبل أفعالاً مثل قتل المدنيين، ولا سيما ممَّن شاركوا في مهرجان الموسيقى. هذا يعادل اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطيني. وليس لهم فضيلة في عمل ما يفعله أعداؤهم». ووفق كيراز، فإن «مشكلة القضيّة الفلسطينية هي في الدعم الغربي الكامل لإسرائيل، كما في التنظيمات التي تدّعي الدفاع عن القضيّة الفلسطينية. في السبعينيات كان الإرهاب اليساري، واليوم هناك الإرهاب الإسلامي».
ومن جهته، واصل زعيم «حزب المستقبل»، رئيس الحكومة الأسبق، أحمد داود أوغلو، الذي انشقّ عن إردوغان، حملته على الرئيس التركي، على خلفية نأيه بنفسه عمّا يجري. وقال، في لقاء مع مجموعة من الصحافيين، إن «الصورة التي يُراد تعميمها في تركيا هي أن إسرائيل واقعة تحت اعتداء حماس، فيما الضحية هو الشعب الفلسطيني الذي تُرك لقدره»، مضيفاً: «مع اعتراضنا على المساس بالمدنيين، لم يكن أمام الشعب الفلسطيني أن يفعل سوى الذي فعله». ووفق داود أوغلو، فإن «كل الأحزاب أدلت ببيانات داعمة، باستثناء حزبَي العدالة والتنمية والحركة القومية. لم يَنبس إردوغان وباهتشلي ببنت شفة. باهتشلي الذي كان يصرّح بعد أصغر الأحداث، سكت»، مذكّراً هؤلاء بأن «فلسطين كانت تحترق والجنود الإسرائيليين يدخلون مع كلابهم المسجد الأقصى، ولكن كلمة فلسطين لم تمرّ على لسانه، وبدلاً من فلسطين كان يتحدّث عن أحداث غزة، بالقول: الأحداث التي تجري في إسرائيل». وتابع: «لو كنت في السلطة، لقدّمت الدعم الكامل للفلسطينيين، ولَكُنت دَعَوت العالم الإسلامي إلى إعادة النظر في علاقاته مع إسرائيل، ولَدعوت إلى اجتماع منظمة التعاون الإسلامي ولجنة القدس، ولَدعوت الأمم المتحدة إلى وضع يدها على الموضوع، وفرض وقفٍ لإطلاق النار، ومن ثمّ العمل على تبادل الأسرى».