طهران | مع مضيّ الأسبوع الأول على عمليّة «طوفان الأقصى»، لا يزال النقاش حول مشاركة إيران من عدمها فيها، محتدماً. وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الذي دعم العمليّة، نفى ضلوع بلاده فيها، وقال إنها نُفّذت على أيدي الفلسطينيين أنفسهم، وعلى الرغم أيضاً من أن السلطات الأميركية أشارت إلى أنها لا تملك دليلاً مباشراً يربط طهران بالهجوم، بيدَ أن بعض الأوساط السياسية والإعلامية في واشنطن، أثارت مزاعم في هذا المجال، وذهبت إلى حدّ المطالبة بالضغط على الجمهورية الإسلامية، وإعادة تجميد الستة مليارات دولار التي أُفرج عنها حديثاً من بنوك كوريا الجنوبية.ونفى خامنئي، في تصريحات أدلى بها الثلاثاء، أيّ تدخُّل لإيران في عمليّة «طوفان الأقصى»، قائلاً إن الهجوم «من فعل الفلسطينيين»، مضيفاً أن «حماة هذا الكيان، وبعض أفراد الكيان الغاصب الذين أثاروا، خلال اليومَين أو الثلاثة الأخيرة، وأدلوا بكلام فارغ عن أن إيران تقف وراء هذه التحرّكات، إنّما هم على خطأ. إنّنا ندافع عن فلسطين؛ إنّي أقبّل جباه وسواعد المخطّطين الأذكياء من الشبّان الفلسطينيين، غير أن هذا العمل هو من صنْع الفلسطينيين أنفسهم». ولطالما جاهرت إيران بدعمها لمجموعات المقاومة الفلسطينية، ومساعدتها في مواجهة إسرائيل، لكن أن يُزعم أن لها دوراً في أدقّ تفاصيل إجراءات هذه المجموعات، فموضوع آخر؛ إذ يقول المسؤولون الإيرانيون إن فصائل المقاومة «حليفة» لطهران، لكنها لا تتلقّى بالضرورة «الأوامر» منها، وإن «لديها القدرة على التخطيط والتصميم واتّخاذ القرارات بما يتناسب مع ظروفها ومتطلّباتها».
وفي هذا الإطار، قال الناطق باسم الحرس الثوري، رمضان شريف، إن «إيران تدعم وتساند دائماً الشعب الفلسطيني»، مضيفاً أن «الإجراءات الميدانية وعمليّة طوفان الأقصى، تمّت بإرادة الشبّان داخل فلسطين... لكنّ العدو يسعى، من خلال حملته الدعائية، لربط هذه العمليّة بخارج فلسطين المحتلّة وإرادة شعبها». وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أول من أثار مسألة ضلوع إيران في عمليّة غزة؛ ففي اليوم التالي على «طوفان الأقصى»، زعمت الصحيفة أن هذه العمليّة نُفّذت بضوء أخضر من إيران، وبمساعدتها، وأنه تمّ التخطيط لها على مدى أسابيع من قِبَل مسؤولين أمنيين إيرانيين. ووفقاً للمصدر نفسه، فإن إيران ساعدت في التخطيط لهذا الهجوم الجوي والبري والبحري الخاطف، فيما أعطت سلطات هذه البلد، خلال لقاء عُقد في بيروت قبل العملية بأسبوع، «الضوء الأخضر» لـ»حماس» لشنّها.
لكنّ كبار المسؤولين الأميركيين أكّدوا، خلال الأيام الماضية، مراراً، أنه ليس لديهم أيّ مؤشّر أو دليل على تورّط إيران في الهجوم، على رغم أنهم اعتبروا طهران «متواطئة» مع «حماس»، على خلفية الدعم الذي توفّره للحركة. وفي هذا الجانب، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مساء الأحد، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»: «لم نرصد بعد دليلاً على أن إيران أمرت بتنفيذ هذا الهجوم، أو أن لها أيّ علاقة به»، فيما لفت مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، إلى أن بلاده لا تمتلك معطيات حول تدخُّل إيران في هجوم السابع من تشرين الأول.
من جهته، وصف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، «إشادة» إيران بهجوم «حماس»، بـ»غير المقبولة»، قائلاً إنه لا يملك «دليلاً رسميّاً» على «تورّط إيران مباشرة» في العمليّة الأخيرة. وذكرت «سي إن إن»، الأربعاء، أن مجمع الاستخبارات الأميركي أورد في تقرير قدّمه إلى الكونغرس، أنه توصّل إلى مؤشّرات تُظهر أن كبار المسؤولين الإيرانيين «تفاجأوا» بالهجوم الذي شنّته «حماس» على إسرائيل يوم السبت. وفيما لم يأتِ هذا التقرير الاستخباري على ذكر مَن هم هؤلاء المسؤولون، أفادت السلطات الأميركية بأنهم أشخاص «على علم عادة بالعمليات المتعلّقة بفيلق القدس». ووفقاً للمعطيات المنشورة، فإن مجمع الاستخبارات الأميركي قال إنه من المستحيل في هذه المرحلة، الخروج باستنتاج كامل حول ما إذا كانت طهران على علم مباشرة بالهجوم أم لا. وبذلك، فإن التقرير المقدّم إلى الكونغرس يلقي بظلال من الشكّ على دور الجمهورية الإسلامية المباشر في التخطيط للعملية، وتمويلها أو تأييدها. على أن مسؤولي الإدارة الأميركية اعتبروا أن الدعم الإيراني المتواصل لـ»حماس»، ولا سيما لجهة مدّها بالسلاح والمال، كان بلا ريب، ذا أثر في تبلور قدرات هذه الحركة لتنفيذ هكذا عملية واسعة النطاق.
أكّد كبار المسؤولين الأميركيين، خلال الأيام الماضية، مراراً، أنه ليس لديهم أيّ مؤشّر أو دليل على تورّط إيران في الهجوم


وعلى أيّ حال، يبدو أن هذه المسألة بدأت تتحوّل إلى قضيّة خلافية في الولايات المتحدة، بين الإدارة ومعارضيها، ولا سيما في الحزب الجمهوري، إذ قال رئيس «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس النواب الأميركي، مايك مكول، يوم الأربعاء، للصحافيين: «أدري أن الإدارة لا ترغب في تحميل إيران المسؤولية، لكنّي أظنّ أن كلّ الطرق تؤدّي إلى إيران». كما زاد عدد من السيناتورات الأميركيين من الضغوط على بايدن لإعادة تجميد مبلغ الستة مليارات دولار الإيرانية، بعد هجوم «حماس» على إسرائيل، بحيث إن 20 منهم طالبوا في رسالة إلى وزارة الخارجية الأميركية، بإلغاء الإعفاءات التي تسمح بتحويل الأموال الإيرانية إلى حسابات في المصارف القطرية.
ومع ذلك، فقد وصف البيت الأبيض مزاعم بعض الجمهوريين بقيام إدارة بايدن بدعم تمويل هجوم «حماس» على إسرائيل عن طريق الإفراج عن الأرصدة الإيرانية، باعتبارها جزءاً من صفقة تمّ بموجبها تبادل سجناء، بأنها «كذبة مخزية». ورداً على تصريحات للسيناتور الأميركي، ريك سكوت، الذي قال إن «جو بايدن انحنى إجلالاً لإيران، وقدّم لها مساعدة بقيمة ستة مليارات دولار، وهي الدولة التي تخطّط يوميّاً للقضاء على إسرائيل، وذلك من أجل تمويل هجوم حماس»، قال آندرو بيتس، نائب السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، إن هذه التصريحات «كذبة مخزية من جميع النواحي. ففي هذه الحقبة، يتعيّن على الجمهورييين والديموقراطيين التوحّد بالكامل خلف إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
وفي الموازاة، بدأ وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أمس، جولة إقليمية تشمل العراق وسوريا ولبنان. کما أجرى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، مساء الأربعاء، اتصالاً مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لمناقشة التطوّرات في فلسطين.