طهران | في خضمّ الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، استضافت طهران اجتماع الآلية الإقليمية، "3+3"، حول الوضع في جنوب القوقاز، والمتشكّلة من ثلاث دول (في جنوب القوقاز)، هي: آذربيجان، أرمينيا وجورجيا، وثلاث دول جارة لهذه المنطقة ومؤثّرة في معادلاتها، هي: إيران، روسيا وتركيا. ويُعدّ اجتماع طهران هو الأول الذي يُعقد على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء في هذه الآلية، بعد آخر عُقد، العام الماضي، على مستوى مساعدي وزراء خارجية الدول الأعضاء في موسكو. وحضر اجتماع طهران، الذي التأم، مساء الاثنين، وزراء خارجية كلّ من: إيران حسين أمير عبد اللهيان، روسيا سيرغي لافروف، تركيا حاقان فيدان، آذربيجان جيحون بايراموف وأرمينيا أرارات ميرزويان، فيما غاب وزير الخارجية الجورجي بسبب خلافات بلاده مع موسكو.وتكمن أهميّة اجتماع طهران في كونه الأول الذي يجمع وزراء خارجية دول المنطقة، بعد النصر الحاسم الذي حقّقته باكو في حرب ناغورنو قره باغ الأخيرة، الشهر الماضي، متمكّنةً، في خاتمة المطاف، من السيطرة نهائيّاً على الإقليم، وضمّه إلى آذربيجان، وهو ما زاد من ثقل هذا البلد، وحليفته التركية، في منطقة جنوب القوقاز. ولكنّ مراقبين يتوجّسون، في المقابل، من أن تكتسب آذربيجان، في ضوء نجاحها العسكري الأخير، مزيداً من الجرأة، للاستيلاء على أراضٍ تقع داخل جمهورية أرمينيا.
من ناحية أخرى، اتّجهت باكو وأنقره، بعد الانتصار الذي حقّقتاه في حرب قره باغ، نحو توطيد اتّحادهما في منطقة جنوب القوقاز، لتعلنا تفعيل مشروع "ممرّ زنغيزور"، والذي سيصل - في حال شقّه - آذربيجان بتركيا برّاً (تركيا بالعالم التركي)، فضلاً عن قيمته "الترانزيتية" بالنسبة إلى الطرفَين، ومساهمته في زيادة الدور التركي في منطقة القوقاز. غير أن إيران عارضت، إلى الآن، تفعيل هذا الممرّ ومروره عبر منطقتها الحدودية مع أرمينيا، وتالياً تغيير الحدود. ويذهب مراقبون، في هذا الإطار، إلى القول إن الممرّ المنوي إنشاؤه عبر المناطق الحدودية بين إيران وأرمينيا، سيعزل الأولى جغرافيّاً، وسيبعد الثانية عن الحدود الإيرانية، وهو ما سيتسبّب بنوع من الضيق والحرج الاستراتيجيَّين بالنسبة إلى طهران. ولهذه الغاية تحديداً، أجرت إيران عدّة مناورات عسكرية في مناطقها المتاخمة لآذربيجان وأرمينيا، على اعتبار أنها "لا تطيق إدخال تغييرات على حدودها". وتزامن اجتماع طهران، مع بدء آذربيجان وتركيا مناورة عسكرية تستمرّ على مدى يومين، في كلّ من باكو وقره باغ ونخجوان (المناطق الحدودية مع إيران وأرمينيا)، في خطوة من شأنها أن تزيد من حساسيّة الواقع الأمني في المنطقة. وتقول وزارة دفاع جمهورية آذربيجان إن ثلاثة آلاف من القوات العسكرية، و130 دبابة وآلية مدرعة، ونحو 100 بطارية مدفعية وصاروخية، ونحو 20 طائرة، شاركت في المناورة.
يبدو أن صيغة "3+3" ستتيح لدول منطقة جنوب القوقاز واللاعبين النشطين فيها فرصة لتسوية قضاياهم


وفي ظلّ ارتفاع منسوب التوتّر، على خلفية الصراع الأرميني - الآذربيجاني، و"ممرّ زنغيزور"، يبدو أن صيغة "3+3" ستتيح لدول منطقة جنوب القوقاز واللاعبين النشطين فيها فرصة لتسوية قضاياهم وخلافاتهم عبر الوسائل الديبلوماسية. وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الإيراني، أثناء الاجتماع، إن الحرب في جنوب القوقاز انتهت، وإنه حان الدور لـ"السلام والتعاون والتقدّم"، فيما شدّد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال لقائه وزيرَي خارجية آذربيجان وأرمينيا، كلاً على حدة، على ضرورة "تسوية قضايا المنطقة من طريق التعاون". أمّا البيان الختامي لاجتماع طهران، فقد شدّد على أهمية "التسوية السلمية للخلافات، تأسيساً على ميثاق الأمم المتحدة، واحترام السيادة والاستقلال السياسي ووحدة الأراضي وعدم المساس بالحدود المعترف بها دوليّاً، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية، ومنع التهديد أو اللجوء إلى العنف، واحترام حقوق الإنسان". كما أكدت الدول الأعضاء، ضرورة "وضع نهاية عاجلة لاستهداف المدنيين الأبرياء" في الحرب في غزة.
على صعيد متّصل، تحدثت وكالة أنباء "تسنيم" القريبة من "الحرس الثوري" عن "تغيّر استراتيجية إيران تجاه القوقاز"، مشيرةً إلى أن الجمهورية الإسلامية اعتمدت، على مدى العقود الثلاثة الماضية، سياسة عدم المشاركة في معادلات القوقاز، بيد أن حرب قره باغ الثانية (2020) والتي انتهت بانتصار آذربيجان، والتطوّرات التي تبعتها على مدى السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك سيطرة باكو على قره باغ، وتجريد أرمن الإقليم من السلاح، فضلاً عن المشاركة الفعالة لتركيا وتركيز باكو وأنقرة على مسألة ممرّ الشرق نحو الغرب، والمعروف بـ"زنغيزور"، دفع طهران، بعد ثلاثة عقود، إلى مراجعة استراتيجيتها في القوقاز، على أن يكون لها حضور نشط في معادلات هذه المنطقة. ورأت "تسنيم" أن إحدى إشارات تغيّر التوجّه الإيراني تجاه القوقاز بهدف خفض التصعيد يكمن في تقديم اقتراحات لمعالجة قضيّة "ممرّ زنغيزور". ويقوم الاقتراح الإيراني لحلحلة هذه القضيّة على تنفيذ اتفاق وقف النار الذي أُبرم عام 2020 في موسكو، والقاضي ببناء خطوط المواصلات في ظلّ احترام سيادة أرمينيا وكذلك الإفادة من البنى التحتية الإيرانية لتشغيل ممرّ "الشرق نحو الغرب". وقد اتّخذ الرئيس الآذربيجاني إلهام علييف، ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، مواقف إيجابية في هذا الخصوص، واعتبرا أن استخدام طرق شمال إيران يشكّل جزءاً من الخطوط المكمّلة وحتى البديلة لطريق أرمينيا.