توجّهت الأنظار، يوم أمس، إلى زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى أنقرة، إذ يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قرّر تغيير برنامجه، والقيام برحلة خارج العاصمة، وتحديداً إلى مسقط رأسه في ريزه على البحر الأسود، ما جعل من لقاء الرجلَين متعذّراً، وانعكس برودة على أجواء الزيارة، التي لم يلتقِ فيها بلينكن سوى بنظيره التركي، حاقان فيدان. ولم يكن «اختفاء» إردوغان العلامة السلبية الوحيدة في سياق زيارة الوزير الأميركي، الذي استقبله على أرض المطار مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، يبراق بلقان، ومساعد محافظ أنقرة، نامق كمال نازلي، بدلاً من فيدان. كذلك، أَظهرت عدسات الكاميرات محاولة بلينكن تبادل القبل مع نظيره، الذي حال دونها، وشدّ على يد الديبلوماسي الأميركي، قبل أن يصعدا إلى قاعة اللقاء.وفيما كان بلينكن داخل وزارة الخارجية، خرجت المحامية التركية، غولدين سونميز، ووقفت أمام الوزارة، هاتفةً: «بلينكن قاتل»، «لقد قتل 4500 طفل». وعندما بادرت الشرطة إلى إبعادها، قالت: «ليس أنا، بل هو الذي يجب أن تعتقلوه... ارتكب إبادة». ولعلّ أول محفّزات استياء الأتراك من الوزير الأميركي بالطبع، هو الدور الرئيسي الذي تلعبه واشنطن في إدارة الحرب على غزة، وتشجعيها إسرائيل على مواصلة ارتكاب المجازر في القطاع من دون توقّف، فيما يُنظَر إلى الرجل باعتباره المدير الرئيسي للعدوان؛ وأما المحفّز الثاني، فهو أن بلينكن جاء منذ اندلاع الحرب مرتين إلى الشرق الأوسط، حيث التقى عدداً من وزراء الخارجية والرؤساء والمسؤولين في المنطقة، ولكنه في المرتَين لم يَزُر تركيا، ما أثار غضب الأخيرة على اعتبار أن ذلك يمثّل إساءة إليها، وتهميشاً للدور الذي يمكن أن تلعبه في هذا المجال. والسبب الثالث للانزعاج التركي، هو أن جولة بلينكن الحالية كانت تهدف أساساً إلى لقاء وزراء الخارجية العرب الذين اجتمع إليهم في عمّان، فيما زيارته إلى تركيا جاءت كمحطّة أخيرة، في طريق عودته إلى واشنطن، بعدما زار عمّان وبغداد وقبرص ورام الله.
وترى صحيفة «ميللييات» أن زيارة بلينكن إلى أنقرة لا معنى لها، خصوصاً أن لقاءاته مع وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات وقطر والأردن جاءت فارغة، لأن الدول العربية كانت تريد وقفاً لإطلاق النار في غزة، فيما مثّل الوزير الأميركي العامل الأكبر لمنع ذلك. وأما السبب الرابع والأخير للاستياء التركي، فهو أن الطائرات الأميركية أسقطت، يوم الأحد، عشية وصول بلينكن إلى أنقرة، طائرة مسيّرة تركية في شرق سوريا، هي الثانية بعد أكثر من شهر. وووصفت صحيفة «يني شفق» لقاء بلينكن - فيدان، الذي استمرّ على مدى ثلاث ساعات، بأنه كان «بارداً». وبدا لافتاً أيضاً أن الوزيرَين لم يعقدا مؤتمراً صحافياً بعد اللقاء، إذ غادر بلينكن مباشرة إلى المطار، حيث كانت له تصريحات قال فيها إنه تحدّث إلى نظيره التركي عن «سلام بنّاء» في المنطقة، وإنه «يدرك قلق (الأتراك) هنا، ونرى الأثمان المخيفة في غزة». وأضاف: «(إنّنا) نعمل على تقليل الخسائر وسط المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية»، معتبراً أن عدم توسّع الحرب إقليميّاً يمثّل «نجاحاً»، و«نعمل مع دول المنطقة على إيجاد طريق للحل».
وفي هذا الإطار، ذكرت مصادر ديبلوماسية تركية لوسائل إعلام محلّية، أن الطرفَين التركي والأميركي كانا متوافقين على «حلّ الدولتين»، وأن فيدان أبلغ نظيره الأميركي بأنه «من غير الممكن قبول التدمير الممنهج لغزة، وتخريب البنية التحتية». كذلك، لم يفُت بلينكن، في ختام تصريحاته، أن يثني على إحالة إردوغان طلب عضوية السويد في «حلف شمال الأطلسي» إلى البرلمان التركي، معتبراً ذلك أمراً «مهمّاً جدّاً»، ومعرباً عن ثقته في انضمام السويد إلى «الناتو».