طهران | يقوم الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اليوم، بزيارة للعاصمة الروسية، موسكو، على رأس وفد سياسي واقتصادي، تلبيةً لدعوة نظيره الروسي، فلاديمير بوتين. وتجري هذه الزيارة بعد يوم واحد من زيارة الرئيس الروسي لكلٍّ من الإمارات والسعودية. وفي هذا الإطار، أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، بأن الموضوعات الرئيسيّة المدرجة على جدول أعمال زيارة رئيسي لروسيا، تتمثّل في إجراء مشاورات في شأن القضايا الثنائية، بما فيها التعاون الاقتصادي، وكذلك محادثات حول القضايا الإقليمية والدولية، ولا سيما القضية الفلسطينية والتطوّرات في قطاع غزة.وتُعدّ هذه هي الزيارة الثانية للرئيس الإيراني إلى موسكو منذ تولّيه منصبه في آب من عام 2021، بعد أولى أجراها في كانون الثاني عام 2022، فيما قام الرئيس الروسي بزيارة لطهران في العام ذاته، التقى خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين، بمَن فيهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي الخامنئي. كذلك، تأتي زيارة رئيسي لروسيا في خضمّ الحرب في غزة، والتي أجرى الزعيمان على خلفيتها مكالمة هاتفية، في الـ 16 من تشرين الأول الماضي، فيما طالب البلدان مراراً، في غضون الأسابيع الماضية، بوقف الحرب، وإقرار وقف شامل لإطلاق النار في القطاع.
وفي الوقت ذاته، فإن العقوبات الغربية على البلدَين، على خلفية البرنامج النووي الإيراني، والحرب العسكرية الروسية على أوكرانيا، ساهمت في مزيد من التقارب بينهما، إذ يمثّل بيع الجمهورية الإسلامية مسيّرات هجومية لروسيا، واستخدام الأخيرة إياها في الحرب الأوكرانية، وقرب تسليم طائرات "سوخوي 35" الروسية لإيران، أبرز تطوّرات على مستوى العلاقات العسكرية بين البلدَين. كذلك، وقّع وزيرا خارجية الجانبَين، الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، والروسي سيرغي لافروف، قبل يومين من زيارة الرئيس الإيراني لموسكو، في 5 كانون الأول الجاري، وثيقة "التصدّي للعقوبات"، والتي وصفتها وسائل الإعلام القريبة من الحكومة الإيرانية بأنها "وثيقة في مجال أساليب مواجهة تداعيات الإجراءات القسرية". وفي هذا الإطار، قال لافروف، في بيان نُشر على موقع وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو وطهران منهمكتان بتطوير التبادل والتعاون الثنائيَّين في جميع القطاعات الأساسية، وتتحضّران للتوقيع على اتفاق ثنائي كبير. ووصف البيان الوثيقة الموقّعة حديثاً بأنها بيان حول "طرق وأساليب التصدّي للإجراءات الأحادية (الغربية)، وتحييد وتخفيف تداعياتها".

نظرة موسكو الاستراتيجية إلى طهران
يقول الصحافي والباحث المختص في الشؤون الدولية في طهران، هادي خسرو شاهين، إن حربَي غزة وأوكرانيا، وكذلك العلاقات العسكرية والأمنية بين موسكو وطهران، "تشكل المحاور الرئيسيّة" للمحادثات بين الرئيسَين الإيراني والروسي. ويرى، في حديث إلى "الأخبار"، أن "عملية طوفان الأقصى، والتطوّرات التي تلتها، بما أنها حوّلت الاهتمام الاستراتيجي الأميركي من أوكرانيا إلى غزة، أدت إلى تزايد الحَراك الروسي وتعبيد الطريق لرفع مستوى التعاون بين إيران وروسيا، على أن يجري الطرفان خلال هذه الزيارة محادثات في شأنه"، مضيفاً أن "موقف روسيا من تطوّرات غزة، وتوجّهاتها المساندة بشكل أكبر لمصالح الفلسطينيين، ساهمت في تدعيم اعتبار ومكانة موسكو لدى الدول العربية وإيران وتركيا".
روسيا تريد ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة لزيادة قدرتها على المساومة في التعاملات المستقبلية مع الغرب


وحول الرؤية الروسية تجاه إيران، يبيّن المحلّل الإيراني أنه "على الرغم من التحفّظات والحذر اللذَين تبديهما موسكو في علاقاتها مع طهران، لكن من وجهة النظر الاستراتيجية، فإن الأولى تنظر إلى الثانية على أنها شريك موثوق به على المديَين المتوسط والطويل". أمّا عن آفاق إنجاز عملية تسليم مقاتلات "سوخوي 35" الروسية إلى الجمهورية الإسلامية، فيقول خسرو شاهين: "نظراً إلى تراجع الحساسيّات إزاء الحرب الأوكرانية، فقد تهيّأت الأرضية أكثر فأكثر لزيادة التعاون العسكري والأمني. وقد وفّر إلغاء الحظر الأممي على (توريد) السلاح إلى إيران في تشرين الأول 2020، وكذلك تشرين الأول 2023، الفرصة لتوسيع العلاقات. وعليه، من المتوقّع في ظلّ الظروف الجديدة أن يتم خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة على الأرجح، وضع جزء من الاتفاقات بين طهران وموسكو موضع التطبيق. غير أنه لا يجب، في الوقت ذاته، رفع سقف التوقّعات إلى حدّه الأقصى تجاه التعاون الاستراتيجي بين الطرفَين".

مواجهة الأحادية الأميركية: قاسم مشترك بين الطرفَين
أمّا الباحث في مجال وضع السياسات العامة - الحكومية في جامعة "فيرجينيا للتكنولوجيا" في واشنطن، يوسف عزيزي، فيذهب إلى الاعتقاد بأن مواجهة الأحادية الأميركية والنظام الأميركي، تشكّل أهمّ قاسم مشترك بين إيران وروسيا. ويقول، في حوار مع "الأخبار"، إن "الهدف الرئيسيّ لزيارة الرئيس الإيراني لموسكو يتمثّل في متابعة العلاقات الثنائية في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية"، مضيفاً أن "موضوعات، بما فيها الحرب الأوكرانية وحرب غزة وإحياء الاتفاق النووي والأحادية الأميركية وتغيير النظام الدولي، مدرجة كلّها على جدول أعمال محادثات كبار مسؤولي البلدَين".
وفي ما يتعلّق بنظرة روسيا وإيران إلى الحرب في غزة، يوضح عزيزي أن "النظام الأميركي ما بعد الحرب العالمية الثانية، والمنظّمات الدولية الخاضعة لإمرة أميركا، لم تتمكّن فعليّاً من تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بصورة عادلة ومستدامة. إن روسيا تسعى إلى استثمار الظروف الحالية لإظهار عقم وعدم جدوى هذا النظام، وبالتالي تكثيف حَراكها. والقاسم المشترك الرئيسيّ بين إيران وروسيا هو مكافحة تفرّد الولايات المتحدة، فيما يؤكد البلدان في ما يخصّ فلسطين، ضرورة تطبيق القوانين الدولية، على رغم وجود بعض الخلافات في الرؤى بينهما".
ويضيف الباحث في جامعة "فيرجينيا تيك" الأميركية، أن "روسيا تريد ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة لزيادة قدرتها على المساومة في التعاملات المستقبلية مع الغرب، وهي تسعى من خلال التعاطي مع الجانب الفلسطيني والعرب، إلى اختراق النظام الأميركي". ويرى أيضاً أن "الحرب الأوكرانية أسهمت في المزيد من التقارب بين إيران وروسيا"، وأن الأخيرة "تحارب الناتو من خلال هذه الحرب، كما تعتبر إيران الناتو عدواً لها. إن مصطلح التوازن على الصعيد الدولي ساهم في التقريب بين البلدين، بينما يمضيان على خلفية ضغوط واشنطن والناتو قُدماً على طريق التعاون وزيادة التقارب في ما بينهما".