فتح مجلس النواب الأميركي، أول من أمس، تحقيقاً رسمياً لعزل الرئيس، جو بايدن، على خلفية «أنشطة ابنه هانتر التجارية الدولية المثيرة للجدل»، بعدما كان عدد من الجمهوريين الرئيسيين المحافظين يمتنعون، لأشهر، عن الدعوة إلى فتح مثل هذا التحقيق، بذريعة أنّه ما من أدلّة دامغة تثبت أنّ ساكن البيت الأبيض قد ارتكب أيّ شيء يقرب من الجرائم أو الجنح الكبرى التي تستدعي عزله. ويكشف إجماع مجلس النواب، أخيراً، على اتخاذ هذه الخطوة، (حميع الجمهوريين الـ 221 صوّتوا لمصلحة القرار، فيما عارضه جميع الديموقراطيين)، بالرغم من استمرار غياب مثل تلك الأدلّة، عن تغيّر في «الأرضية السياسية» في أوساط الحزب «الجمهوري»، مدفوع بشكل أساسي، بجهود الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وحلفائه المقربين في الكونغرس، والتي أثمرت تحوّلاً سياسياً، بطيئاً «إنما حاسم»، بين الجمهوريين الذين تحوّلوا من نوع من «مقاومة» هذا التحقيق، إلى «تبنّيه بالكامل»، وفقاً لتحليل أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. وبالتالي، يعكس ذلك على الأرجح مدى النفوذ الذي لا يزال يتمتع به ترامب داخل الحزب «الجمهوري»، وهو ما ذهب إليه النائب الديموقراطي عن ولاية ماساتشوستس، جيم ماكغفرن، الذي قال إنّ الوضع وصل إلى ما هو عليه لسبب واحد، وهو «مطالبة دونالد ترامب الجمهوريين بأن يقوموا بعزل الرئيس، واستجابتهم له». وكان رئيس «مجلس النواب» الذي أُطيح به، كيفين مكارثي، أول من أعلن وجود نية لفتح مثل هذا التحقيق، في أيلول، قبل أن يبدأ المجلس دراسة ما إذا كانت هناك أسباب كافية تمنحه السلطة الدستورية لعزل الرئيس. أمّا قرار الأربعاء، فيضفي، ببساطة، «طابعاً رسمياً» على هذا التحقيق المستمر. وطبقاً للعديد من المراقبين، فإنّ الهدف النهائي من هذه الخطوة هو الإضرار بالحظوظ الانتخابية لبايدن، والتي تشهد، بالفعل، الكثير من التدهور في الفترة الأخيرة. ويمكن فهم ذلك بالنظر إلى أنّ من غير المتوقع أن يؤدي فتح التحقيق إلى أي نتائج فعلية في نهاية المطاف، إذ يعدّ الإعلان عن الموافقة على التصويت على بدء التحقيق مجرد إجراء أولي يختلف عن التصويت على إجراءات العزل نفسها. وحالياً، يتوجب إحالة القضية إلى «لجنة القضاء» في «مجلس النواب»، لتتخذ الأخيرة الخطوات اللازمة، قبل أن يتم الانتقال إلى التصويت على الإجراءات التي من المتوقع أن تتم الموافقة عليها أيضاً. على أنّ الملف يجب أن يُحال، عاجلاً أو آجلاً، إلى «مجلس الشيوخ»، حيث سيصطدم بمعارضة الديموقراطيين الذين يتمتعون بالأغلبية فيه، علماً أنّ العزل يحتاج إلى 67 صوتاً من أصل 100، وفي وقت لم يعلن فيه حتى الجمهوريون جميعهم نيتهم التصويت لمصلحته في «الشيوخ». كما تجدر الإشارة هنا إلى أنّه فيما أُطلقت إجراءات عزل ضدّ ثلاثة رؤساء تاريخياً، هم: أندرو جونسون عام 1868، وبيل كلينتون عام 1998، ودونالد ترامب في عامَي 2019 و2021، فإنّ «مجلس الشيوخ» لم ينجح في عزل أيٍّ منهم، وجرت تبرئتهم جميعاً في النهاية. أما ريتشارد نيكسون، ففضّل الاستقالة عام 1974، لتجنّب عزله من قبل الكونغرس بسبب فضيحة «ووترغيت».
وتعقيباً على فتح التحقيق، اعتبر بايدن أنّ ما يحصل هو «حيلة سياسية لا أساس لها»، معتبراً أنّه «بدلاً من العمل على تحسين حياة الأميركيين»، فإنّ الجمهوريين قرروا «إضاعة وقتهم»، «ومهاجمتي بالأكاذيب». وفيما يتهم الجمهوريون بايدن باستغلال نفوذه عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، بين عامَي 2009 و2017، للسماح لابنه بالقيام بأنشطة تجارية مشكوك فيها في الصين وأوكرانيا، يؤكد هانتر في المقابل أنّ والده «لم يكن ضالعاً أبداً في شؤونه المالية»، علماً أنّ للرجل الخمسيني ماضياً حافلاً بالإدمان، والمشاكل القانونية، وأن صاحبه يقرّ بأنّه ارتكب «أخطاء» عدّة في مسيرته.
من جملة القضايا التي تصطدم بالانقسامات الداخلية أيضاً، المساعدات التي تطالب بها كييف



حظوظ بايدن «القاتمة»
ووفقاً لاستطلاعات الرأي المستمرة، والتي تظهر تراجع حظوظ بايدن للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات عام 2024، تبدو خطوة الجمهوريين مدروسة إلى حدّ كبير لزيادة الضغط على ساكن البيت الأبيض. على سبيل المثال، أجرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية استطلاعاً، السبت الماضي، قال حوالي 37 في المئة من المشاركين فيه إنهم راضون عن الدور الذي يقوم به بايدن كرئيس، بينما كانت لدى 61 في المئة منهم وجهة نظر غير مؤيدة له نسبياً. وفي «منافسة افتراضية» استعرضتها الصحيفة، تخلّف بايدن عن ترامب بأربع نقاط مئوية، إذ قال 47 في المئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم سيصوتون لترامب، مقابل 43 في المئة ممّن سيختارون بايدن. بدورها، أجرت مجلة «نيوزويك» الأميركية استطلاعاً، ركز بشكل أساسي على ولاية ميشيغان، التي فاز جو بايدن بأغلبية 150 ألف صوت فقط فيها في عام 2020، والتي ستشكل واحدة من ساحات القتال الرئيسية في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وفيما حقق الديموقراطيون سلسلة من المكاسب في الانتخابات النصفية، التي أجريت في عام 2022، فإنّ الإحصاء الأخير يكشف على الأرجح أنّ بايدن يتجه نحو «كارثة» في هذه الولاية، طبقاً للمصدر نفسه، إذ تراجعت نسبة التأييد له بـ 14 في المئة، بعدما عارض 49 في المئة سياساته، مقابل 35 في المئة أعربوا عن دعمهم له. وفي ما يتعلّق تحديداً باستجابة بايدن للحرب على غزة، فقد كشف الاستطلاع أنّ نسبة التأييد تراجعت بـ 18 في المئة؛ حيث يعارض ستة وأربعون في المئة سياسة بايدن في هذا الصدد، فيما يوافق عليها 28 في المئة فقط. وإلى جانب موقفه من العدوان الإسرائيلي، يواجه الرئيس معارضة حول جوانب عدة، بدءاً من أدائه الوظيفي بشكل عام، وصولًا إلى استجابته لإضراب «اتحاد عمال السيارات» الأخير.

مساعدات أوكرانيا
ومن جملة القضايا التي تصطدم بالانقسامات الداخلية أيضاً، المساعدات التي تطالب بها كييف، لمساعدتها في استكمال الحرب ضد روسيا، في أعقاب فشل «هجومها المضاد» بعد أشهر من انطلاقه. وعلى الرغم من تحذير البيت الأبيض، في وقت سابق من هذا الشهر، قادة الكونغرس من أن أموال الولايات المتحدة التي يفترض أنها مخصصة لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا ستنفد بحلول نهاية العام، ما يقوّض إلى حد كبير «قدرة كييف على الدفاع عن نفسها»، في حال فشلَ المشرعون في الموافقة على المساعدات العسكرية الطارئة في أي وقت قريب، فقد أشارت «نيويورك تايمز»، في تقرير منفصل، إلى أنّ نداء البيت الأبيض لم يلقَ «آذاناً صاغية» لدى النواب الجمهوريين، ولا سيما أنّ رئيسه، مايك جونسون، أكّد أنّ الديموقراطيين «لم يفعلوا ما يكفي لكسب دعم أعضائه لإرسال المزيد من الأموال إلى أوكرانيا».
كما اعتبر المسؤول الجمهوري أنّ الإدارة الأميركية فشلت في معالجة أي من المخاوف المشروعة حول عدم وجود استراتيجية واضحة في أوكرانيا، أو طريق لحل الصراع، أو «خطة لضمان المساءلة بشكل مناسب عن المساعدات التي يقدمها دافعو الضرائب الأميركيون»، مكرراً موقف الجمهوريين الثابت، وعنوانه أنّ أي حزمة تتم الموافقة عليها يجب أن تبدأ بالتطرق إلى حاجات «حدود» الولايات المتحدة أولاً. وتأتي هذه التصريحات في أعقاب إسقاط مشروع قانون إنفاق طارئ، لتقديم مليارات الدولارات كمساعدة أمنية جديدة لأوكرانيا وإسرائيل، في «مجلس الشيوخ»، في السادس من هذا الشهر، بسبب إصرار الجمهوريين على اتخاذ إجراءات «أكثر صرامة» للسيطرة على الهجرة على الحدود الأميركية - المكسيكية.