يبدو أن عقدة انضمام السويد إلى "حلف شمال الأطلسي" قد حُلّت، وذلك بعدما أيّدت "لجنة الشؤون الخارجية" في البرلمان التركي، بروتوكول الانضمام، في جلستها يوم الأربعاء الماضي. وكانت تركيا قد وقّعت على "اتفاق مدريد" الثلاثي مع السويد وفنلندا، في حزيران عام 2022، لانضمام البلدَين إلى الحلف، مشترطةً تلبية مطالبها لجهة وقف النشاطات "الإرهابية" التي يقوم بها "حزب العمال الكردستاني"، كما جماعة فتح الله غولين، على أراضيهما. وإذ اعتبرت أنقرة أن هلسنكي أوفت بالتزاماتها، مانحةً إيّاها الضوء الأخضر للانضمام إلى "الناتو" في شباط الماضي، فقد امتنعت عن تأييد مطلب استوكهولم، بذريعة أنها لم تعدّل قوانينها لمنع نشاطات الأكراد على أراضيها. غير أن السبب الرئيسيّ وراء الممطالة التركية في الموافقة على انضمام السويد كان محاولتها الحصول على مكاسب جدّية، وفي مقدّمها موافقة الولايات المتحدة على بيعها طائرات من طراز "إف-16" الحديثة، وترميم طائرات مماثلة قديمة بحوزتها، علماً أن هذه المسألة لا تزال تواجه عرقلة في الكونغرس الأميركي في ظلّ عدم استقرار العلاقات التركية - الأميركية.وشهدت القضية تطوّراً، في 23 تشرين الأول الماضي، عندما أحال إردوغان طلب الانضمام إلى البرلمان، الذي أرجأ بدوره مناقشة الطلب إلى 16 تشرين الثاني، فيما قرّرت "لجنة الشؤون الخارجية" تأجيل بتّه لغاية يوم الأربعاء. ولم يبقَ بالتالي سوى أن ينعقد البرلمان للتصويت على القرار، والذي حدد يوم السادس عشر من كانون الثاني المقبل موعداً لجلسته، حتى إذا تمت الموافقه عليه يصدره إردوغان بشكل رسمي.
ولا يُتوقّع أن يواجه القرار أيّ مشكلة في البرلمان، ذلك أنه مرّ في "لجنة الشؤون الخارجية" بغالبية كبيرة من مجموع أعضاء ممثّلي حزبَي "العدالة والتنمية" الحاكم و"الشعب الجمهوري" المعارض، ولهما في البرلمان أكثر من 400 نائب من مجموع 600، إضافة إلى تأييد نواب "الحركة القومية". وإذا كان القرار قد وُوجه في "لجنة الشؤون الخارجية" باعتراض طبيعي من نواب "حزب السعادة" الإسلامي المعارض أصلاً لعلاقة تركيا بـ"الأطلسي"، فإن اعتراض نواب "الجيّد" القومي المعارض، الذي ترأسه مرال آقشينير، لم يكن متوقعاً. أما "حزب الشعوب للديموقراطية والمساواة" الكردي، فلم يشارك في التصويت، لكنه شارك في النقاشات، وانتقد النائب عنه جيلان جوبولو التركيز على استعادة لاجئين سياسيين في السويد، مثل الكاتب الكردي راغب زارا كولو، قائلاً إن آلاف الأكراد فرّوا إلى أوروبا، وإن طائرات "إف-16" التي تريدها تركيا "إنّما لقتل الأكراد". وردّ عليه نائب "الحركة القومية"، كامل آيدين، محذّراً إيّاه من الذهاب إلى جبال قنديل (في العراق حيث قادة الكردستاني)، ومن أن تركيا ستقتل الإرهابيين حتى آخر واحد منهم. من جهته، اتّهم رئيس اللجنة، فؤاد أوكتاي (النائب السابق لرئيس الجمهورية)، جوبولو، بأنه يتحدّث كما لو أنه ناطق باسم "العمال الكردستاني". والجدير ذكره أن راغب زارا كولو مثقّف كردي وكاتب معروف يبلغ من العمر 75 عاماً، غادر تركيا عام 2012 إلى السويد بعد اعتقاله لفترة وجيزة، وبحقّه عشرات الدعاوى بتهمة "دعم الإرهاب".
تتّجه الأنظار إلى موقف واشنطن من مسألة بيع طائرات "إف-16" لتركيا


في هذا الوقت، تتّجه الأنظار إلى موقف واشنطن من مسألة بيع طائرات "إف-16" لتركيا، إذ راج في وسائل الإعلام التركية أن موافقة اللجنة البرلمانية حصلت بعدما وعد الرئيس الأميركي، جو بايدن، نظيره التركي، بـ"العمل بقوّة" لتمرير بيع المقاتلات في الكونغرس، وكذلك فعل وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في اتصال مع نظيره التركي، حاقان فيدان. وبالتالي، فإن المعادلة جاءت وفق الرغبة الأميركية: "وافقوا أوّلاً في البرلمان التركي، ندعم تمرير بيع الطائرات في الكونغرس". ومع ذلك، لا يزال إردوغان "يحتفظ" بفرصة أخرى للمماطلة، إذ يتطلّب البتّ بقرار البرلمان توقيع الرئيس التركي قبل إرساله إلى مقر "حلف شمال الأطلسي".
وفي هذا الجانب، يصف الكاتب فؤاد أوغور، موافقة "لجنة الشؤون الخارجية" على قرار انضمام السويد إلى "الناتو"، بأنه "هدية" عيد الميلاد لاستوكهولم، التي رحّب وزير خارجيتها، توبياس بيلستروم، بالقرار، قائلاً: "ننتظر بفارغ الصبر عضوية الأطلسي". وقي هذا الإطار أيضاً، يكتب محمد علي غولر، المختصّ في السياسة الخارجية، في صحيفة "جمهورييات"، قائلاً إن "الوظيفة الأساسية للحكومة هي محاربة الإرهاب وليس مجرد إدانته". ويقول إن "البيان الذي وقّعته أربعة أحزاب (تركية) لإدانة الإرهاب بعد هجوم خاكورك الكردي على قاعدة تركية في شمال العراق ومقتل 12 جندياً تركيّاً، لم يتطرّق إلى الراعي الأساسي للإرهاب، وهو الولايات المتحدة، ولو بكلمة واحدة، في وقت تحفل فيه وسائل إعلام السلطة بالانتقاد اللاذع لواشنطن لدعمها حزب العمال الكردستاني". ووفق غولر، فإن "حزب الشعب الجمهوري" الذي لم يوقّع على بيان الأحزاب الأربعة المذكور، أصدر بياناً منفرداً يدين الإرهاب، لكنه لا يذكر أيضاً ولو بكلمة الولايات المتحدة. ويرى الكاتب أن تغييب هذه الأخيرة في البيانَين، سببه النزعة الأطلسية لأحزاب "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" و"الشعب الجمهوري"، والتي تجلّت في موافقتها في "لجنة الشؤون الخارجية" على اقتراح انضمام السويد إلى الحلف، وأن "من المعيب بعد اتهام الولايات المتحدة بدعم حزب العمال، أن تصوّت الأحزاب لمصلحة توسيع حلف شمال الأطلسي". وبحسبه، فإن "التصويت لمصلحة الاقتراح يعكس المساومات في السياسة الخارجية بين تركيا والولايات المتحدة وتحويل نواب العدالة والتنمية إلى مجرد أداة لسياسة الحزب الأطلسية"، وخصوصاً أن وزير الخارجية، حاقان فيدان، "اغتصب"، وفق تعبير غولر، إرادة البرلمان بتعهّده مسبقاً لوزيرَي خارجية السويد والولايات المتحدة بأن "البرلمان سيوافق على الاقتراح خلال أسابيع".