بعد طول انتظار، قارب سنة ونصف السنة، حَسم البرلمان التركي قرار انضمام السويد إلى عضوية «حلف شمال الأطلسي»، وصوّت بعد جلسة ماراثونية استمرّت أكثر من ستّ ساعات، منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء، بغالبية 287 صوتاً لمصلحة القرار، في مقابل اعتراض 55 نائباً، وامتناع أربعة عن التصويت، علماً أن مجموع نواب البرلمان يبلغ 600. وكان يكفي أن يصوّت نصف عدد الأعضاء المشاركين في الجلسة على مشروع عضوية السويد، والذي أُدرج مع مشروعَين آخرَين يتعلّقان بالعلاقات الدولية، هما: اتفاق التجارة الحرة مع ماليزيا، واتفاق الإعفاء من الضريبة المزدوجة مع كوريا الجنوبية، لتمريره، فيما يُنتظر الآن أن يوقّعه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ويرسله إلى الأمانة العامة لـ«الناتو» في بروكسل، لتصبح السويد قانونيّاً العضو الرقم 32 في الحلف. وفي هذا الإطار، وصف رئيس وزراء السويد، أولف كريستيرسون، موافقة البرلمان التركي بـ«الخطوة الإيجابية»، فيما شدّد السفير الأميركي في أنقرة، جيف فليك، على «ارتباط تركيا بحلف شمال الأطلسي والشراكة البنّاءة».وتمّ تمرير القرار بأصوات نواب حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، إلى جانب أحزاب المعارضة الثلاثة: «الشعب الجمهوري» بزعامة أوزغور أوزيل، و«المستقبل» بزعامة أحمد داود أوغلو، و«الديموقراطية والتقدّم» بزعامة علي باباجان، علماً أن هؤلاء لا يفوّتون مناسبة إلّا وينتقدون فيها سياسات تركيا الخارجية. ومن جهتها، عارضت أحزاب «السعادة» الإسلامي، و«الجيّد» القومي، و«العمّال التركي» اليساري، وأخرى متحالفة مع «العدالة والتنمية»، من مثل «الرفاه من جديد» بزعامة فاتح أربكان، و«الدعوة الحرّة» الأصولي، القرار، فيما لم يشارك حزب «الشعوب للديموقراطية والمساواة» الكردي في التصويت، الذي غادر نوّابه قبل بدئه.
واغتنم النواب المعترضون على القرار، الجلسة البرلمانية للتصويب على سياسة تركيا الخارجية، والتي رأى النائب مصطفى قايا، باسم «السعادة»، أنها أضحت وسيلة لخدمة مصالح إردوغان وحزبه. وبرّر النائب عن «الجيّد»، قوراي آيدين، بدوره، معارضة حزبه عضوية السويد بعدم التزام الأخيرة بمكافحة «الإرهاب الكردي، وجماعة فتح الله غولين»، و«سقوطها في امتحان حرّية التعبير ومكافحة الإرهاب»، منتقداً، في الوقت نفسه، سياسة إردوغان تجاه إسرائيل التي تبيد الفلسطينيين، متسائلاً: «كيف يمكن له أن يوفّق بين تأييد التوسيع لحلف شمال الأطلسي ومواجهة سياسة إسرائيل الإرهابية، إذ تكتفي أنقرة بالتفرّج ولا تفعل سوى تنظيم المهرجانات؟». أما النائب عن «الشعب الجمهوري»، أوغوز صالجي، فعلّل تأييد حزبه القرار بالقول إن «حلف شمال الأطلسي يبقى القوّة الوحيدة القادرة على منع تهديد الاستقرار والأمن العالميَّين وتخريبهما، كما أن الحزب يدعم سياسة توسيع الحلف وضمّ أعضاء جدد إليه»، فيما شكّلت موافقة حزبَي داود أوغلو وباباجان، مفاجأة الجلسة.
شكّلت موافقة حزبَي داود أوغلو وباباجان على قرار انضمام السويد إلى «الناتو» مفاجأة الجلسة


وفي وقت أَظهر فيه استطلاع للرأي نشرت نتائجه وكالة «الأناضول»، أن 92% من المستطلعين يرفضون انضمام السويد إلى «الناتو»، كان زعيم «حزب وطن» القومي الصغير، دوغو بيرينتشيك، يتوجّه بنداء إلى النواب لرفض القرار، الذي اعتبر أنه يشكّل «إهانة لتركيا وفلسطين، حيث تُقلع الطائرات الأميركية من تركيا عبر قبرص لتقصف غزة، فضلاً عن أن الولايات المتحدة تدعم حزب العمّال الكردستاني». وكان الكاتب مراد يتكين، قد أَورد، أول من أمس، مؤشّرات قوية إلى أن البرلمان التركي يتّجه إلى الموافقة على عضوية السويد، بالقول إن أنقرة وافقت على مشاركة استوكهولم في مناورات «المُدافع الصلب» (steadfast defender) التي ستبدأ الأسبوع الجاري، وتُعتبر من الأكبر في تاريخ «الأطلسي»، علماً أنها ستجري على أراضي بولندا وألمانيا ودول البلطيق، وتستمرّ حتى أيار المقبل. ومع أن تركيا كانت قد ربطت بين الموافقة على العضوية، وحصولها من واشنطن على طائرات «إف-16»، فإن الكاتب جزم أنه سواء التزم الرئيس الأميركي، جو بايدن، بوعده تسهيل بيع الطائرات، أم لم يلتزم، فإن موافقة البرلمان التركي حاصلة.
أمّا الانزعاج الروسي من الخطوة، فيمكن تجاوزه؛ ذلك أن موسكو «تتفهّم» الوضع الصعب لأنقرة، وتعرُّضها لضغوط تفوق طاقتها على التحمّل. وإذ يتحسّب إردوغان لرياح أميركية معاكسة لبيع الطائرات، فهو يواصل اللعب على التناقضات بين الغرب وكل من روسيا وإيران، وهو ما يَظهر بوضوح عبر اجتماعات «مجموعة أستانا»، التي بدأت في كازاخستان أمس، وتستمرّ حتى اليوم. كذلك، استقبل إردوغان، أمس، نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي يزور تركيا، بعد تأجيل زيارته مرتَين خلال الأسابيع الأخيرة، فيما أكّد الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أنّ التحضيرات قائمة لزيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تركيا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مناورات «المدافع الصلب» تحاكي مواجهة حرب شاملة مع روسيا، إذ رأى الأميرال الهولندي ورئيس اللجنة العسكرية لـ«الناتو»، روبرت باور، أنه يتوجّب على الحلف أن يكون مستعدّاً لحرب واسعة مع روسيا في العشرين سنة المقبلة. وقال: «(إنّنا) في عصر يتوجّب أن ننتظر فيه ما ليس متوقّعاً. الحلّ الوحيد في أوكرانيا هو تقوية الجبهة العسكرية ضدّ روسيا». وسيشارك في هذه المناورات أكثر من 90 ألف جندي، و50 سفينة حربية، و80 طائرة مقاتلة، و133 دبابة، و533 حاملة جند، أو ما مجموعه 1100 آلية عسكرية برية وجوية وبحرية. ومناورات «المدافع الصلب» هي الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة، علماً أن المناورات الأطلسية الأضخم جرت في عام 1988، وشارك فيها 125 ألف جندي، بينما شارك 50 ألف جندي في مناورات لـ«الناتو» عام 2018.