في وقت يتعرّض فيه الرئيس الأميركي، جو بايدن، للتأنيب من «شركائه» الأوروبيين، بسبب «المماطلة» في إرسال المزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، ويواجه نقمةً متزايدة في أوساط العديد من الناخبين والمشرّعين الديموقراطيين، على خلفية موقف إدارته الداعم للإبادة الإسرائيلية في غزة، والذي أضرّ، إلى حدّ كبير، بحظوظ إعادة انتخابه، على مسافة أشهر من الاستحقاق الرئاسي، عادت، في الأسابيع الماضية، أزمة الهجرة عبر الحدود الأميركية - المكسيكية إلى الواجهة بقوّة، لتوجّه «صفعة» جديدة إلى شعبية الرئيس المنهارة أصلاً، وتسعّر الانقسام داخل الولايات المتحدة، وتدفع بالبعض إلى التلويح بإمكانية «انفصال» بعض الولايات عن مركز صنع القرار في واشنطن. ورغم أن الأزمة المشار إليها ليست مستجدّة، لكن تحريكها، في الوقت الراهن، يخدم أهداف خصوم بايدن، كونه يدفع حظوظه الانتخابية نزولاً.

يحاول المسؤولون الأميركيون الإيحاء بأنّ اتفاق «الحدود مقابل أوكرانيا» أصبح «ناضجاً» (أ ف ب)

وإذ دأب بايدن، منذ تولّيه منصبه قبل ثلاث سنوات، على بذل الكثير من الجهود في ملفّ الهجرة الحدودية خصوصاً، موقّعاً أكثر من 500 إجراء تنفيذي، متجاوزاً بذلك مجمل الإجراءات التي اتّخذها الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، طوال مدة ولايته، إلّا أن مجهوده لم يمنع بلوغ الهجرة مستويات غير مسبوقة، ما جعل الرئيس الديموقراطي عرضةً لانتقادات واسعة من خصومه وحلفائه على حدّ سواء. وفي السنوات الثلاث الأخيرة، انخرط حرس الحدود الأميركي في مواجهات مع أكثر من 6.3 ملايين مهاجر غير شرعي عبر الحدود الأميركية - المكسيكية، 58% منها في مناطق تقع جزئياً ضمن ولاية تكساس. وطبقاً لتقديرات وزارة الأمن الداخلي الأميركية، تمكّن ما بين 1.6 و1.8 مليون مهاجر من «الإفلات» من قبضة «حرس الحدود» والدخول إلى الأراضي الأميركية، لتصبح قضية الهجرة غير الشرعية إحدى أبرز نقاط ضعف الرئيس الحالي، والتي تحظى آلية تعامله معها بأقلّ نسبة تأييد في استطلاعات الرأي الأخيرة، مقارنة بسائر الملفّات، كما أنها فتحت الباب واسعاً أمام ترامب وسائر الجمهوريين، لـ«تسجيل أهداف» سياسية في مرمى بايدن.
على هذا النحو، وبعدما ألقت أزمة ولاية تكساس، أخيراً، بثقلها على مركز القرار في واشنطن، سارع عدد من المفاوضين الأميركيين إلى الإيحاء بأن اتفاق «الحدود مقابل أوكرانيا» أصبح «ناضجاً»، ويُرتقب الإعلان عنه الأسبوع الجاري. ويفترض أن يُصعّب الاتفاق العتيد طلب المهاجرين الحصول على اللجوء، ويجعل آلية إغلاق الحدود أكثر فعالية، في مقابل تمرير حزمة مساعدات بقيمة 106 مليارات دولار كان بايدن طالب بها، وتتضمّن مساعدات عسكرية لإسرائيل وأوكرانيا ودول المحيطَين الهندي والهادئ، جنباً إلى جنب المساعدات الإنسانية والأموال المخصّصة للحدود الأميركية. ولم تقتصر جهود بايدن على الدفع في اتجاه الصفقة المذكورة، إذ خرج، يوم الجمعة الماضي، بـ«أعنف» تصريح له حول ملفّ الهجرة منذ تولّيه منصبه، مؤكداً أنّه «مستعدّ لاتّخاذ إجراءات قاسية على الحدود»، ومشيراً، في بيان، إلى أنّ حزمة أمن الحدود التي تم التفاوض عليها في مجلس الشيوخ ستمنحه سلطة «إغلاق الحدود عندما تصبح أعداد المهاجرين هائلة».
يعمل ترامب من «خلف الكواليس» على توجيه «ضربة قاضية» إلى جهود بايدن الرامية إلى الحدّ من الأزمة الحدودية


إلا أنّ التصريحات «المتفائلة» التي تتحدّث عن اقتراب بلورة اتفاق يحظى بتأييد الحزبَين، تصطدم بمعارضة جمهورية قوية، يحرّكها، إلى حدّ كبير، ترامب، الذي يبدو كمن يعمل، من «خلف الكواليس»، على توجيه «ضربة قاضية» إلى جهود بايدن الرامية إلى الحدّ من الأزمة الحدودية المستعرة. إذ استبق الرئيس السابق، في منشور عبر منصة «تروث سوشيل»، التوصّل إلى أيّ اتفاق في هذا الإطار، محذّراً الجمهوريين الذين لا يزال يمتلك نفوذاً بارزاً في أوساطهم، من تمرير «الاتفاق الثنائي»، لأن «الصفقة السيئة» أسوأ من عدم تمرير أيّ صفقة. كذلك، رفع ترامب من حدّة انتقاداته لبايدن، مهاجماً حتى المهاجرين، الذين وصفهم بـ«الإرهابيين الذين يتدفّقون من جميع أنحاء العالم من دون أيّ رقابة»، ومحذّراً من أنّ «فرصة وقوع هجمات إرهابية كبيرة في الولايات المتحدة أصبحت 100%».
هكذا، بات بايدن، الذي وصلت به التنازلات في ملفّ الحدود إلى حدّ الإعلان عن نيّته «إغلاقها»، أسوةً بخطاب الجمهوريين، عالقاً ما بين معارضة عدد من الديموقراطيين الذين يصرّون على جعل الإجراءات الحدودية أكثر «إنسانية»، والجمهوريين الذين لن يقبلوا على الأرجح بأي طرح يقدّمه الرئيس الديموقراطي، ولو كان «مثالياً». وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها بايدن تنازلات في «ثوابته» إزاء المهاجرين، والتي شكّلت إلى حدّ كبير حملته الانتخابية السابقة. ففي الـ19 من كانون الثاني، اعتبر الرئيس الأميركي أنّ البلاد بحاجة «إلى تغييرات كبيرة في سياسة الحدود، بما يشمل (نظام اللجوء) إلى الولايات المتحدة». وفيما تهدف هذه التصريحات إلى نقل الكرة إلى «الملعب الجمهوري»، في ما يتعلّق بالتوصّل إلى الاتفاق المنشود، فمن الواضح أن تلك التنازلات لم تؤتِ ثمارها مع الجمهوريين، الذين «اصطفوا»، أخيراً، على الضفة نفسها مع حاكم ولاية تكساس، ضدّ الحكومة الفدرالية، ما يعكس على الأرجح «قناعة» عبّر عنها العديد منهم، ومن بينهم رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، ومفادها بأنه «ما من حلّ لأزمة الحدود، قبل وصول رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض».