في خطوة حسمت، بصورة شبه نهائية، سباق نيْله بطاقة الترشّح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهوري، وأوحت بمدى إحكام قبضته على الحزب، حقّق الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، فوزه الرابع على التوالي، في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في ولاية كارولينا الجنوبية. ومتقدّماً على منافسته نيكي هايلي، بفارق وصل إلى نحو 150 ألف صوت، نال ترامب 60% من أصوات ناخبي الولاية، معظمهم من المتطرّفين البيض، في مقابل حصول المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة على حوالى 40% من الأصوات، نسبة وازنة منهم من المستقلّين، وحَمَلَة الشهادات الجامعية. وحمل الإعلان عن هذه النتائج «نذر الشؤم» أمام حملة هايلي، لما يعنيه، بحكم الأمر الواقع، من إقصاء مبكر لها عن سباق «التمهيديات الجمهورية»، ولا سيما أن العرف السياسي الأميركي، ومنذ عام 1980، لم يُسجّل تمكّن أيّ مرشّح جمهوري، ممّن لم ينجحوا في الانتخابات التمهيدية لولاية كارولينا الجنوبية، من انتزاع ترشيح الحزب في «الرئاسيات». وبعد حسم «معركة كارولينا الجنوبية»، تتّجه الأنظار إلى الجولة المقبلة المقرّر أن تشهدها ولاية ميشغان، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تفوّق ترامب على هايلي بنحو 60 نقطة مئوية، وفق معهد «مورننغ كونسالت» الذي يعطي الأول 79% من أصوات ناخبي حزبه في الولاية، مقابل منحه الثانية ما نسبته 19%.
ترامب بعد «نصر كارولينا الجنوبية»: معركتنا مع بايدن
استبق ترامب المعركة الانتخابية في كارولينا الجنوبية، بخطاب حماسي، حاول من خلاله دغدغة مشاعر التيار المحافظ الداعم له في الحزب الجمهوري، والذي يشكّل النسبة الكبرى من جمهور الولاية، المحسوبة تقليدياً على الجمهوريين، عبر الخوض في عدّة قضايا تشكّل هاجساً لذاك الجمهور. ويتقدّم تلك القضايا ملف المهاجرين، حيث تعهّد بتنفيذ «أكبر عملية ترحيل لهم» في تاريخ الولايات المتحدة، في حال انتخابه رئيساً، إضافة إلى مواصلته تحريض جمهوره المشكّك في نتائج انتخابات 2020 على النظام السياسي الأميركي القائم، سواء من خلال التصويب على ما وصفها بـ»المحاكمات الصورية الستالينية»، وإصراره على نعت نفسه بـ «المنشقّ السياسي الفخور»، أو عبر اتهامه الرئيس الحالي، جو بايدن، باستخدام سلطاته كسلاح سياسي ضدّه، فضلاً عن توعّده معارضيه السياسيين بقرب ما سمّاه «يوم الحساب».
وفي سياق تكتيكه الانتخابي القائم على الاستثمار في مخاوف اليمين الأميركي، كرّس ترامب جانباً كبيراً من خطابه الأخير، أمام «مؤتمر العمل السياسي المحافظ»، لمهاجمة سياسات الإدارة الديموقراطية، متعهداً بـ»استعادة البلاد»، وبأن «النجاح (في الانتخابات) سيكون ثأرنا». وحذّر، خلال المؤتمر الذي شكّل على الدوام أكبر تجمع للمحافظين في البلاد قبل أن تطغى عليه «حركة ماغا»، من التبعات «البائسة» في حال انتُخب بايدن لولاية ثانية، معتبراً أن البلاد ستكون عرضة حينها لأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة «أسوأ»، من جملتها الانزلاق نحو «حرب عالمية ثالثة». وكمؤشر إلى اطمئنان ترامب إلى نيل «بطاقة الترشيح الجمهورية»، اكتفى، بعد الإعلان عن فوزه في كارولينا الجنوبية، بشكر مناصريه، معرباً عن سروره بـ»وحدة الحزب الجمهوري، أكثر من أيّ وقت مضى». كذلك، أعرب، في خطاب ألقاه بعد إعلان النتائج في مدينة كولومبيا، عاصمة الولاية، عن ثقته بمواصلة تقدّمه في انتخابات ولاية ميشغان (اليوم) الثلاثاء، «ومن ثم لدينا الثلاثاء الكبير»، في إشارة إلى الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في الولايات الـ15 التي ستصوّت في الخامس من آذار المقبل.

هايلي: لا انسحاب
بدورها، وعلى رغم اعترافها بالهزيمة أمام ترامب في ولاية كارولينا الجنوبية، أعلنت هايلي، التي حكمت الولاية المذكورة بين عامَي 2011 و2017، أنها «لن تترك ساحة المعركة»، مؤكدة مضيّها في السباق ضدّ خصمها، ومجدّدة تأكيد عدم سعيها إلى الحصول على منصب في إدارته في حال انتخابه رئيساً. وأشارت هايلي إلى أن حصولها على نحو 40% من أصوات ولاية كارولينا الجنوبية، وحصولها على نسب تصويت مماثلة في جولات سابقة للانتخابات التمهيدية كما هو الحال في ولاية نيوهمبشر، الشهر الماضي، دليل على غياب إجماع القواعد الناخبة للجمهوريين على شخص خصمها، مع إقرارها بأنها ستؤيّد الأخير في حال جرى ترشيحه باسم الحزب. ولفتت هايلي، في كلمة أمام حشد من مناصريها في مدينة تشارلستون، إلى أنها باقية «عند كلمتها» في شأن عدم نيّتها الانسحاب، على رغم خسارتها لأربع جولات من التمهيديات على التوالي، مرجعةً الأمر إلى تقديرها تراجع حظوظ ترامب في انتخابات الرئاسة. وحاولت هايلي القفز فوق منافستها الحزبية مع ترامب، عبر الإيحاء بوجود عناصر مشتركة، بين حملتها التي تركز على قضايا السياسة الخارجية، وحملة الرئيس السابق التي تركّز على القضايا الداخلية، مشدّدة على أن إحباط الجمهور الأميركي إنّما يعود إلى سياسات إدارة بايدن، بالقول إن «ما رأيته اليوم من مشاعر الإحباط لدى أبناء ولاية كارولينا الجنوبية تجاه الأوضاع في بلادنا، يماثل مدى الإحباط الذي لمسته على الصعيد الوطني لدى عموم الأميركيين». ومع ذلك، نبّهت إلى أن «أميركا عرضة للتفكّك، إذا ما اتّخذنا الخيارات الخاطئة»، مضيفة أن «هناك أعداداً كبيرة من الناخبين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري تقول إنها تريد بديلاً (لكل من بايدن وترامب) «. وشدّدت المرشّحة الجمهورية التي تحوّلت إلى أحد أبرز الوجوه المعارضة لترامب في المشهد السياسي الأميركي، على «(أنّنا) بحاجة إلى التغلب على جو بايدن في تشرين الثاني المقبل»، قبل أن تضيف: «لا أعتقد أن ترامب قادر على التغلّب على بايدن».
وبحسب محلّلين، فإن تمسّك هايلي بترشّحها إلى الآن، يعود إلى عاملَين أساسيَّين تتفوّق بهما على ترامب؛ الأول: تمتُّع حملتها بدعم مالي من المانحين الكبار، حيث تمكّنت من جمع منح بقيمة 11.5 مليون دولار، إضافة إلى 12 مليون دولار أخرى تمّ جمعها من قِبَل اللجنة المشرفة على تنظيم الحملة الانتخابية لهايلي في شهر كانون الثاني الماضي، في حين تمكّنت حملة ترامب من حصد منح بقيمة 8.8 ملايين دولار، إضافة إلى 7.3 ملايين جمعتها اللجنة المكلّفة بتنظيم حملته الانتخابية في الشهر نفسه، على رغم ظهور مؤشرات إلى سحب بعض المانحين الكبار، من بينهم منظمة «أميركيون للتحرّك من أجل الازدهار»، دعمهم لهايلي عقب هزيمتها في معقلها. أما العامل الثاني، فهو مرتبط برهان فريق حملة هايلي على أن تكون البديل المحتمل، كمرشح رئاسي وكزعيم للحزب على حد سواء في حال وفاة ترامب، البالغ من العمر 77 عاماً، أو في حال الحكم عليه بالسجن على خلفية محاكمته في نحو 100 قضية أمام المحاكم الأميركية. ويجد أصحاب هذا الرأي ما يؤيّده بلغة الأرقام، إذ أَظهر استطلاع للرأي أجرته كلية «ماركيت» للحقوق، مطلع الشهر الجاري، تقدُّم هايلي على بايدن بفارق 16 نقطة بين الناخبين المسجّلين، مقارنة بترامب الذي يتقدّم على الرئيس الحالي بـ4 نقاط فقط.