وفي الدورة السابقة من الانتخابات التشريعية قبل أربع سنوات، شارك نحو 42% من الناخبين، في ما عُدّ، في حينه، أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات البرلمانية بعد الثورة الإسلامية التي انتصرت عام 1979. وقبل عامين ونصف عام، أدلى نحو 48% من الناخبين بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، في ما اعتُبر أيضاً أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية التي تجري في فترة ما بعد الثورة. وفي هذا الجانب، يورد المراقبون أسباباً عديدة لتراجع إقبال الإيرانيين على صناديق الاقتراع، أهمّها الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مع عودة العقوبات عام 2018، ورفْض أهلية المرشّحين على نطاق واسع، وكذلك التداعيات الناجمة عن الاضطرابات والاحتجاجات التي اندلعت العام الماضي.
جرى تداول اسم مجتبى خامنئي، خلال السنوات الأخيرة، باعتباره الخيار المرجّح لتولّي منصب المرشد الأعلى
وعلى خلفية توقّع تراجع نسبة الاقتراع، قال المرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، قبل يومين من الاستحقاق الانتخابي، إن «انتخابات قوية، ستكون نتيجتها تقدُّم البلاد»، مضيفاً أن «المؤسف أن البعض يبدون عدم اكتراث تجاه الانتخابات، ويحثّون الآخرين على عدم المشاركة فيها. لا بدّ لهؤلاء الأشخاص أن يفكّروا مليّاً. إن عدم الاقتراع، لا طائل ونتيجة من ورائه، لكن قد تكون على الأقلّ ثمة فائدة في الإدلاء بالأصوات». وتجري هذه الدورة من الانتخابات البرلمانية في ظلّ منافسة بين المعسكرَين الأصولي والمعتدل، في حين أن الإصلاحيين وصفوها بالانتخابات «غير التنافسية»، وباتوا فعلياً خارج نطاق المنافسة. ويمثّل الوجه البارز للتيار الأصولي، الرئيس الحالي للبرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحالف الجناح الذي يدعمه مع جناح رئيس الجمهورية، إبراهيم رئيسي، على رغم أن بعض الوجوه الأصولیة ظلّت خارج هذا التحالف، وقدَّمت قوائمها بصورة منفصلة.
وفي المقابل، فإن المعتدلين المدعومين من رئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني، ورئيس الجمهورية السابق، حسن روحاني، يشكّلون قطباً آخر في هذه الانتخابات، وهم ممثَّلون بالنائب السابق في البرلمان، علي مطهري، والناطق باسم حكومة روحاني والمقرّب منه، محمد باقر نوبخت. وفيما تُعدّ الأغلبية الساحقة من المرشّحين من المعسكر الأصولي، فإن المعتدلين ينوون خوض منافسة مع الأصوليين في نحو ثلث الدوائر الانتخابية (نحو 100 مقعد، بحسب مطهري)، وأن يشكّلوا أقليّة فعّالة في البرلمان الجديد ليحضّروا أنفسهم للانتخابات الرئاسية المقبلة، علماً أنهم، في غياب الإصلاحيين، شكّلوا التيار المقابل للأصوليين، وهم ينتقدون أداء حكومة رئيسي بشدّة. ونشر روحاني الذي ترشّح لانتخابات مجلس خبراء القيادة ورُفضت أهليته، مقطعاً مصوّراً دعا فيه الجماهير إلى الإدلاء بـ»صوت احتجاجي». وقال: «لا بدّ للناس من أن يدلوا بصوتهم لحساب مَن يرون أنه غير راضٍ عن الظروف الحالية، ويبحث عن إيجاد تغيير في مجتمع اليوم». وبدوره، تطرّق لاريجاني إلى «الأجواء الباهتة للانتخابات»، قائلاً: «لا يجب أن تتعوّد أنظمة الحكم على العيش مع الأقلية، وعليها أن تعلم أن صوت الأغلبية يمثّل رصيدها وسندها».
وينتخب الناخبون الإيرانيون، اليوم أيضاً، ولمدّة ثماني سنوات، 88 من أصل 144 مرشحاً لمجلس خبراء القيادة، الذي تُعدّ أهمّ واجباته انتخاب خليفة للمرشد الأعلى بعد وفاته. وعلى الرغم من أن الحديث في وسائل الإعلام الإيرانية حول المرشد التالي، يتّسم بشيء من الحساسية، لكن تصريحات لافتة خرجت خلال الأيام الأخيرة، بالتزامن مع التنافس الانتخابي؛ إذ قال عضو مجلس الخبراء والمرشّح للدورة التالية، محمد علي موسوي جزائري، إن «الخيارات المتعلّقة بالمرشد الأعلى العتيد، سرّية»، عازياً تلك السرّية إلى «احتمال أن يتعرّض المرشّح لتولّي منصب المرشد للاغتيال على يد الأعداء الأجانب بمن فيهم أميركا وإسرائيل». وفي سياق متصل، قال محمود محمدي عراقي، المرشّح للانتخابات وأحد أعضاء مجلس خبراء القيادة، إن آية الله خامنئي عارض دراسة ترشيح نجله مجتبى لتولّي منصب المرشد القادم. وأضاف: «ذات مرّة في اللجنة الثلاثية في مجلس خبراء القيادة، جرى نقاش حول أحد أنجال المرشد الأعلى (مجتبى) والذي ربما يتمتّع بمستوى عالٍ علميّاً. ووصل هذا النبأ إلى المرشد الأعلى ونهى عنه، قائلاً: ما تفعلونه يطرح قضية أن تكون القيادة شبه موروثة، لذلك فإنه لا يُجِيز حتى أن يتم النقاش في هذا المجال». وكانت تصريحات محمدي عراقي مباغتة لكثيرين، علماً أنه جرى تداول اسم مجتبى خامنئي، خلال السنوات الأخيرة، باعتباره الخيار المرجّح لتولّي منصب المرشد، فيما يُعدّ إبراهيم رئيسي، المرشّح المرجّح الآخر. وعلى أي حال، وبما أن معظم المرشّحين للانتخابات هم من المعسكر الأصولي ومن القريبين من مكتب خامنئي، يبقى مستبعداً أن يكون لنتيجتها أثر على التشكيلة والتوجهات العامة لمجلس خبراء القيادة.