«سيفرح المظلومون في غزة إذا جئنا إلى السلطة في 31 آذار. سيفرح إخوتنا في غزة الذين يمدّون يدهم إلينا. سيفرح أطفالنا في غزة». هكذا، بشّر المرشّح عن «حزب العدالة والتنمية» لرئاسة بلدية إسطنبول، مراد قوروم، أطفال غزة. لكن يبدو أن ما تفوّه به الرجل، فتح عليه عش الدبابير، ولا سيما دفتر العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل؛ إذ جاء الردّ الأول على لسان المنافس الرئيسي لقوروم، مرشّح «حزب الشعب الجمهوري» والرئيس الحالي للبلدية، أكرم إمام أوغلو، الذي قال: «قوروم ينتقد الحكومة. جمهورية تركيا العظيمة لا تستطيع مساعدة غزة، فيأتي هو ليقول إنه سيساعدها. إنه ينتقد (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان. أيعقل هذا؟». كذلك، انتقد رئيس «حزب السعادة»، تيميل قره موللا أوغلو، قوروم، قائلاً: «في وقت ينتفض فيه العالم كلّه ضدّ إسرائيل، فإن استخدام آلام مظلومي غزة أداةً لكسب الأصوات هو عمل غير أخلاقي ومنعدم الضمير. لا يمكن أن تُتّخذ الإبادة التي يعيشها إخواننا في غزة، أداة في السياسة». وأضاف: «قبل أن تتحدّث عن هذا، أوقفوا السفن التي تذهب إلى إسرائيل. كيف ستساعد غزة وأنت لا تمتلك الصلاحيات التي تمتلكها الحكومة؟ بعض التأدّب ياهو!». ومن جهته، قال زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل: «أنا لم أرَ شخصاً غير متّزن مثل مراد قوروم»، فيما اعتبر رئيس «حزب الديموقراطية والتقدّم»، علي باباجان، أن «ربط الإبادة في غزة بغايات انتخابية لَهو أمر مخجل»، موجّهاً حديثه إلى قوروم، بالقول: «إذا لم تكن تريد مساعدة غزة، على الأقل اعرف كيف تصمت».وفي الإطار نفسه أيضاً، كتب محمد أوجاقتان أن كلام قوروم صادر عن رجل «ضميره تحت الحصار»، إذ «كان عليه أن يسأل حكومته: لماذا تستمر السفن التركية في نقل البضائع التجارية إلى إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، قبل أن تنجرف شهوة الكلام عنده ويصبح «مجاهداً» في غزة؟»، مشيراً إلى أن «إسرائيل التي نطعمها وندعمها بما نصدّر إليها، ترتكب كل يوم المجازر في غزة». كذلك، رأى الكاتب الإسلامي المعروف، أحمد طاش غيتيرين، أن «كلام قوروم، هو من النوع الذي يسبّب الحزن والمرض ويسيء إلى الجميع»، معتبراً أن إردوغان «استبدل معادلة السيسي - بن علي يلديريم الآن بمعادلة غزة، والأخيرة ليست على قيد الحياة. أمّا استغلالها والإساءة إليها، فهما انتهازية سياسية مخزية». وسأل غيتيرين، قوروم وإردوغان: «لماذا انتظار الأول من نيسان؟ أليست الدولة تحت سلطتكم؟ افعلوا شيئاً؟».
الأرقام الرسمية التركية تعكس ارتفاع صادرات أنقرة إلى «تل أبيب» خلال شهر شباط المنصرم، بنسبة 21%


وعلى خلفية تلك التعليقات، قام قوروم، قبل أيام، بمحو خبر من على موقعه على الإنترنت يتصل بعلاقته بشركة تقيم صلات مع شركات إسرائيلية؛ إذ ذكرت صحيفة «جمهورييات» أن مرشّح السلطة عن إسطنبول، وكذلك مرشّحها عن بلدية أنقرة، طورغوت ألتين أوك، وغيرهما من المرشّحين، قاموا ببثّ إعلانات عن حملاتهم للانتخابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتعاون مع شركة «توتال ميديا»، ومقرّها إسرائيل. ولكن بعد ردود فعل عدة منتقدة، قام قوروم وألتين أوك بحذف الدعايات الخاصة بهما من على موقع الشركة الإسرائيلية.
ومن جهتها، كتبت «قرار» في مانشيتها الرئيسي، الأحد: «خجلنا يتضاعف: ارتفاع حجم الصادرات إلى إسرائيل 20%». ووفقاً للصحيفة المقرّبة من زعيمَي حزبَي «المستقبل» أحمد داود أوغلو، و«الديموقراطية والتقدّم» علي باباجان، فإنه «بينما تستمرّ الإبادة الجماعية في غزة، لم يتجاوز خطاب العدالة والتنمية البهوَرة». واعتبرت أن «ما يحدث هو عار على الدول الإسلامية»، مضيفةً أنه رغم دعوات المعارضة، إلا أن الحكومة التركية واصلت تصدير البضائع وإرسال السفن إلى مرتكبي الإبادة. وبيّنت أيضاً أن الأرقام الرسمية التركية تعكس ارتفاع صادرات أنقرة إلى «تل أبيب» خلال شهر شباط المنصرم، بنسبة 21% مقارنة بالشهر الذي سبقه، إلى 422 مليون دولار، وهو رقم قريب ممّا كانت عليه الصادرات عشية عملية «طوفان الأقصى»، أي 462 مليون دولار، علماً أن تركيا والأردن يحتلّان، بحسب أرقام وزارة الزراعة الإسرائيلية، المرتبة الأولى لجهة إرسال الخضار والفاكهة إلى إسرائيل، بمجموع 55% من مجموع واردات الكيان من هذه الأصناف. ولفتت الصحيفة المعارضة إلى أنه بينما كانت صيحات «تسقط إسرائيل القاتلة» ترتفع في مهرجان «العدالة والتنمية» عند جسر غلطة الشهر الماضي، كانت السفن التركية تواصل الرسو في إسرائيل، مذكّرةً بأن حجم التجارة بين الجانبَين ارتفع خلال عهد «العدالة والتنمية» من مليار و400 مليون دولار إلى 7 مليارات ونصف مليار عام 2022، فيما فاقت الصادرات التركية إلى إسرائيل وارداتها منها. وتحدّثت الصحيفة عن حادثة وصفتها بـ«المثيرة للاهتمام»، حين كان إردوغان يخاطب، قبل عشرة أيام، مسيرة انتخابية في صقاريا رُفعت خلالها لافتة كُتب عليها «أوقفوا عار التجارة مع إسرائيل»، سرعان ما تدخلت الشرطة، وبحضور الرئيس، لمصادرتها.