ثمة مشاريع قيد الدراسة لتحديد أسلوب الانتخابات في المدن الكبرى لمعالجة هذه المشكلة
تلك هي النقطة المفتاحية التي تضفي الأهمية على نسب المشاركة في الانتخابات الإيرانية؛ إذ إن هذه النسبة هي مقياس للحرارة بشكل ما؛ ورغم أنها لا تمثّل كل شيء وأنها متغيّرة، لكنها تعكس في زمانها ومكانها قضايا مهمّة. لِنَعد إلى تلك الغرفة المظلمة؛ لقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة نحو 41% من الناخبين، في ما يمثل النسبة الأدنى في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية في إيران. وإذ يسعى أعداء إيران، عبر التركيز على الجانب المذكور، إلى التسويق لكون الانتخابات مثّلت هزيمةً للجمهورية الإسلامية، فإن ما يتحدثون عنه هو خرطوم الفيل، وليس كلّه. ولعلّ ما يجدر التنبّه إليه، هنا، أن انتخابات 2024 أُجريت بعد عام من الأحداث والاضطرابات الخطيرة، التي أثملت المعارضة الإيرانية، إذ إنها ظنّت أن الجمهورية الإسلامية شارفت على الانتهاء، وحتى أن شجاراً اندلع في ما بينها حول تقاسم الغنائم. كما أن انتخابات الدورة السابقة للبرلمان شهدت مشاركة 42% من الناخبين، فيما الدورة الحالية، ورغم الأحداث المشار إليها، تراجعت بنسبة 1% فقط، علماً أن أعداء إيران قدّروا أن تصل في أفضل حالاتها إلى 25%.
وبالعودة إلى الوراء؛ أُجريت أول انتخابات في الجمهورية الإسلامية، بعد أشهر قليلة من انتصار الثورة، حين حدّد الشعب، في استفتاء، نوع نظام الحكم، وشارك ما يزيد عن 97% من الناخبين في الاستحقاق. وبعدها، بأقلّ من سنة، جرت أول انتخابات لمجلس الشورى الإسلامي، شارك فيها 52%. وعلى الأرجح، فإن أناساً متسرّعين ومعارضين، اعتبروا، في ذلك الحين، أن تلك النسبة، في أول انتخابات تشريعية، مؤشّر إلى تقهقر، وحتى السقوط القريب للجمهورية. غير أن المشاركة المتدنية في بعض المدن الكبرى في الانتخابات الأحدث، ولا سيما في طهران (24%)، وقبل أن تكون مؤشراً إلى التوجهات والانتماءات السياسية العامة والخاصة، فهي ناتجة من عدم فاعلية النظام الانتخابي، إذ كان يتعيّن على أهالي العاصمة، التصويت لـ30 مرشّحاً من أصل 3500، في حين أنهم لم يمتلكوا أيّ معرفة دقيقة وحسّية في شأنهم، وحتى أن الغالبية الساحقة منهم، لا تعرف الأسماء الكاملة لنوابها الـ30 الحاليين في البرلمان، وهذا ما لا ينسحب على المحافظات والمدن الأخرى، حيث يقيم الناس ارتباطاً جيداً نسبياً مع المرشّحين ونوابهم المنتخبين. ومن هنا، لا تعود مستغرَبة نسبة المشاركة المتدنية في طهران، التي سيتحدّد مصير نحو نصف مقاعدها البالغة 30 مقعداً، في الجولة الثانية من الانتخابات، والتي ستُجرى بعد شهرين من الآن. وإذ تواجه العاصمة التي تضمّ وحدها أكثر من 10% من إجمالي الناخبين، مثل هذه الآلية المَعيبة والناقصة، فإن ثمة مشاريع قيد الدراسة لتحديد أسلوب الانتخابات في المدن الكبرى لمعالجة هذه المشكلة.
وعلى أي حال، فإن المشهد السياسي والاجتماعي في إيران، أكثر تعقيداً بكثير من أن يُفهم ويُحلّل عبر عدّة متغيّرات كليّة وأرقام انتخابية. وهو تعقيد تزايد في السنوات الأخيرة، حاملاً في طياته تحدّيات وفرصاً كبيرة. وإذا كان يمكن تلمُّس أي جزء من هذا الفيل، وتقديم التحليل الكيفي والاختياري المناسب له، فإن الفيل باقٍ في مكانه بقوّة وصلابة، ويكفي أن نتحلّى بالشجاعة لمواجهة حقيقته كلّها، وأن ننبري إلى إضاءة شمعة.
* محلّل سياسي ورئيس تحرير صحيفة «طهران تايمز»