طهران | في خضمّ الحرب على غزة، واتّساع الهوّة بين أميركا من جهة، وكلّ من روسيا والصين وإيران من جهة أخرى، أجرت البلدان الثلاثة الأخيرة مناورات بحرية مشتركة في خليج عمان وبحر العرب، ما يؤشّر إلى متانة العلاقات في ما بينها، وتوافقها على مواجهة النظام الأميركي، في وقت يتحدّث فيه مراقبون عن حدوث تغيير قريب في النظام الأمني للمنطقة نتيجة تطوّرات ما بعد عملية السابع من أكتوبر. وانطلقت المناورات المشتركة، التي بدأت الثلاثاء وتستمرّ على مدى خمسة أيام، وتحمل اسم "الحزام الأمني البحري المركب 2024"، على قاعدة إرساء "الأمن الاقتصادي البحري". إذ، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، تشارك في هذه التدريبات سفن حربية وطائرات، وهي تهدف خصوصاً إلى "العمل على سلامة الأنشطة الاقتصادية في المياه الدولية"، فيما يقود تشكيل القوات الروسية المشاركة في المناورة، الطراد الصاروخي "فارياغ" التابع للأسطول الروسي في المحيط الهادئ.من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الصينية أن التدريبات تهدف إلى "الحفاظ على الأمن البحري المشترك"، وتشارك فيها مدمّرة "أورومتشي" المزوّدة بالصواريخ الموجهة، وفرقاطة "لين يي" المزودة بالصواريخ الموجهة، وسفينة الإمداد "دونغ بين غو". أيضاً، ذكرت المصادر الرسمية الإيرانية أن التدريبات تهدف إلى "ترسيخ الأمن ومرتكزاته في المنطقة وتوسيع التعاون المتعدّد الأطراف بين البلدان المشاركة، وبناء مجتمع بحري ذي مستقبل مشترك ومكافحة القرصنة البحرية والإرهاب البحري وتبادل الخبرات العملانية والتكتيكية". ومن الجهة الإيرانية، تشارك قطع بحرية وطائرات تابعة لقوات بحرية جيش الجمهورية الإسلامية، بما يشمل مدمّرات "جَماران" و"دِنا" و"بايَنْدُر"، والبوارج "غِناوة" و"زِرِه" و"سيرجان"، وكذلك قطع تابعة لبحرية "الحرس الثوري" بما فيها بارجتا "الشهيد سليماني" و"أبو مهدي المهندس" وبارجة "الشهيد محمودي" و"تُنْدَر". أيضاً، يشارك ممثّلون عن القوات البحرية لكلّ من باكستان وكازاخستان وآذربيجان وسلطنة عمان والهند وجنوب إفريقيا في التدريبات بصفة مراقبين.
وتُعدّ هذه هي المناورة المشتركة البحرية الخامسة بين إيران وروسيا والصين، خلال السنوات الأخيرة، إذ جرت الأولى في عام 2019، في بحر عمان والمحيط الهندي، فيما أقيمت ما قبل الأخيرة (الرابعة) في عام 2023 في المنطقة ذاتها. وتُقام هذه التدريبات في منطقة بحرية تبلغ مساحتها 17 ألف كيلومتر في خليج عمان على امتداد الخليج ومضيق هرمز الذي يُعدّ ممرّاً استراتيجياً لمرور النفط إلى الأسواق العالمية، علماً أن نحو خُمس نفط العالم يمرّ عبر هذا الممرّ المائي. وتطلّ كل من إيران وباكستان وسلطنة عمان والإمارات على المساحة المائية التي تُجرى فيها المناورات.
تجرى التدريبات المشتركة للدول الثلاث، هذه السنة، في ظلّ تزايد التصعيد في المنطقة


وتأتي التدريبات المشتركة للدول الثلاث، هذه السنة، في ظلّ تزايد التصعيد في المنطقة؛ إذ بلغت حرب غزة مرحلة حرجة، فيما لا تزال الحرب في أوكرانيا مستمرّة. ومن هنا، فإن المناورات الجارية حالياً لا تعدّ حدثاً عادياً، بقدر ما هي علامة على الجهود الرامية إلى بلورة نظام أمني جديد في المنطقة في ظلّ انحسار النفوذ الأميركي. وقامت إيران، خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وعودة العقوبات، وفي ظلّ تطبيق سياسة "التحوّل شرقاً"، بتمتين علاقاتها مع كل من روسيا والصين. وفي الوقت ذاته، فإن البلدين الأخيرين، بوصفهما حليفَين رئيسيّين لطهران، حاولا، خلال العامَين الأخيرَين وفي إطار توسيع علاقاتهما السياسية والتجارية والعسكرية مع الجمهورية الإسلامية، تقليص نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. ووفقاً لتقرير صدر حديثاً عن "معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، فإن الصادرات العسكرية الإيرانية، على مدار الأعوام الخمسة الماضية، شهدت زيادة قدرها 276% مقارنة بالفترة الزمنية المماثلة السابقة. وقال التقرير إن روسيا وفنزويلا وحركة "أنصار الله" شبه العسكرية في اليمن، كانوا الأكثر شراءً للأسلحة الإيرانية.
وفي الوقت ذاته، تزايد التعاون العسكري بين إيران وروسيا، في العامين الأخيرَين، ولا سيما خلال الحرب الأوكرانية، ما أثار قلقاً متزايداً لدى الغرب. وتزامناً مع التدريبات المشتركة، ذكرت وكالة "رويترز" أنه، في أعقاب التقارير التي تحدّثت عن توريد إيران صواريخ باليستية أرض - أرض إلى روسيا لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا، فإن قادة دول الاتحاد الأوروبي أبدوا استعدادهم للردّ على إيران "بإجراءات جديدة وكبيرة". وجاء في مسودة بيان القمّة الأوروبية المقرّر عقدها يومَي 21 و22 الجاري، أن "التقارير التي تذكر أن إيران قد ترسل صواريخ باليستية وتكنولوجيا ذات صلة إلى روسيا لاستخدامها ضدّ أوكرانيا مثيرة للقلق للغاية". وأضاف البيان أن "الاتحاد الأوروبي مستعدّ للردّ بسرعة وبالتنسيق مع الشركاء الدوليين، واتّخاذ إجراءات جديدة وكبيرة ضدّ إيران". وكانت "رويترز" قد تحدثت، في 21 شباط الماضي، عن تزويد إيران، روسيا بنحو 400 صاروخ باليستي إيراني المنشأ. وأضافت أن الشحنة المُرسلة اشتملت بشكل رئيسيّ على صواريخ قصيرة المدى من طراز "فاتح 110" و"ذو الفقار". وفي وقت سابق، تحدّثت أيضاً تقارير عن إرسال إيران مُسيّرات انتحارية من طراز "شاهد 131" و"شاهد 136" إلى روسيا لتستخدمها في عملياتها العسكرية في أوكرانيا. ويأتي هذا بينما أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أول من أمس، أن التعاون العسكري - الفني الروسي مع الدول الأخرى، بما فيها إيران، يتمّ وفق القوانين الدولية.
وقال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية، محمد باقري، في أيلول من العام الماضي، إن طهران وموسكو تنويان ترسيخ تعاونهما العسكري والفنّي في إطار معاهدة طويلة الأمد، فيما أعلنت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في الشهر نفسه، أنها ستستمرّ في فرض عقوبات على إيران، متعلّقة ببرنامجها للصواريخ الباليستية، وانتشار الأسلحة النووية، والتي كان من المقرّر أن ينتهي سريانها في تشرين الأول بموجب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وكان مسؤولو هذه الدول قد قالوا، في حينه، إن هذا القرار اتُّخذ بسبب استخدام روسيا طائرات مسيّرة إيرانية ضدّ أوكرانيا واحتمال قيام إيران بإرسال صواريخ باليستية إلى الروس.