طهران | أجرى رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، يومَي الإثنين والثلاثاء، زيارة لطهران التقى خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين، في ما يمكن أن يؤشّر إلى حرص الطرفَين على إعادة بناء العلاقات التي مرّت، خلال السنوات الأخيرة، بتوتّرات وتحدّيات، ولا سيما في المجال الأمني؛ علماً أن آخر زيارة لبارزاني إلى إيران كانت قبل ثلاث سنوات، فيما لفت في زيارته الأخيرة، استقبال كبار المسؤولين الإيرانيين له، في مؤشّر أيضاً إلى أهمية الزيارة بالنسبة إلى الجانبَين.واستقبل المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، بارزاني في غرفة تُخصّص عادةً للقاءات الخاصة وغير الرسمية، وهو ما فسّره مراقبون في إيران على أنه ينطوي على رسالة مفادها أن «أكراد العراق، وبمعزل عن علاقات الجوار، هم أصدقاء وخواص»، على رغم أن مكتب المرشد لم ينشر إلى الآن تفاصيل حول اللقاء. أيضاً، عقد بارزاني، الإثنین، لقاءات منفصلة مع كل من رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي أكبر أحمديان، فيما التقی، أمس، رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف.

القضايا الأمنية: الموضوع الأكثر حساسية في علاقات طهران - أربيل
ووفق مصادر مطّلعة، فإن القضايا الأمنية، بما فيها الهجمات التي نفّذها «الحرس الثوري» الإيراني عدّة مرات في الإقليم، ومسار تنفيذ الاتفاقات الأمنية المبرمة بين طهران وبغداد، شكّلت أبرز محاور المحادثات التي أجراها بارزاني مع المسؤولين الإيرانيين. وخلال السنوات الأخيرة، شعرت إيران بالخطر وعدم الأمان الآتيين من إقليم كردستان لسبَبين، هما: وجود الأحزاب الكردية المسلّحة المعارضة للحكومة الإيرانية، وتحرّكات «الموساد»، ما دفع طهران إلى القيام بأعمال عسكرية داخل الإقليم. وقد استهدف «الحرس» مواقع الأحزاب الكردية الإيرانية المسلّحة هناك، مراراً في عام 2022، وذلك بالتزامن مع الاضطرابات التي اندلعت داخل المدن الإيرانية المختلفة. ودفع ما تقدّم، الحكومة الإيرانية إلى الاحتجاج لدى الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان على وجود هذه المجموعات بجوار حدودها والسماح لها بالتنقّل داخل الأراضي الإيرانية والتخطيط لأعمال عسكرية ضدّ النظام الحاكم، وهو ما أسفر، في المحصّلة، عن توقيع الحكومتَين الإيرانية والعراقية، في آذار 2023، اتفاقاً أمنيّاً يتم بموجبه نزع سلاح المجموعات الكردية، ونقلها إلى مناطق بعيدة عن الحدود الإيرانية داخل العراق.
ولكن ذلك لم يضع حدّاً للهواجس الإيرانية تجاه إقليم كردستان العراق؛ إذ عبّرت إيران، على مدى الأشهر الأخيرة، عن امتعاضها إزاء مسار تطبيق الاتفاق الموقّع، وفي الوقت ذاته، استهدفت، في كانون الثاني الماضي، مناطق في أربيل، ردّاً على اغتيال إسرائيل قيادات في «الحرس الثوري» في سوريا، ما أدّى مجدّداً إلى توتّر العلاقات بين الجانبَين، علماً أن الجمهورية الإسلامية أعلنت، في ذلك الحين، أنها استهدفت مقرّ «الموساد» في أربيل.
أعلنت الحكومة العراقية أنها تدعم وتتطلّع بإيجابية إلى زيارة رئيس إقليم كردستان لإيران


وبدا من زيارة بارزاني، أن الطرفين كانا في صدد تجاوز الحقبة المتشنّجة السابقة والولوج إلى مرحلة تتّسم بمزيد من التعاون وبناء الثقة. فبالنسبة إلى إيران، لا تبدو جيدة فكرة تخريب العلاقات مع إقليم كردستان وإتاحة المجال أمام منافسيها للتحرّك في هذه المنطقة، كما أنه ليس في مصلحة الإقليم استمرار التصعيد مع بلد جار كبير، والذي يمكن أن يفضي إلى إضعاف موقعه في مقابل الحكومة المركزية العراقية، فضلاً عن تقويض قدراته الاقتصادية. وفي هذا الإطار، قال رئيسي خلال لقائه بارزاني: «لا بدّ للحكومة العراقية وإقليم كردستان، وبشكل مطلق، منع عناصر العدو الصهيوني والعناصر المناوئة للثورة، من استغلال أراضي هذه المنطقة والانطلاق منها ضدّ إيران»، معتبراً أنه من الضروري «نزع سلاح العناصر المناوئة للثورة بالكامل ومنع انتشارها داخل الأراضي العراقية». وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأن بارزاني قال، من جهته، خلال اللقاء: «(إنّنا) لا نسمح لأيّ طرف آخر أن يتّخذ من منطقة إقليم كردستان العراق منطلقاً للمساس بأمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، مشدّداً على ضرورة توثيق العلاقات بين الإقليم وطهران «في جميع المجالات، بما فيها الأمنية والاقتصادية». كما نُقل عن بارزاني قوله: «أيّ عقل سليم لا يسمح أن نفضّل العلاقات مع كيان يمرّ اليوم بأسوأ ظروفه (أي إسرائيل) على العلاقات مع بلد قوي وصديق (أي إيران)».
وفي سياق متّصل، أعلنت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، أنها تدعم وتتطلّع بإيجابية إلى زيارة رئيس إقليم كردستان لإيران. وقال مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الحكومة العراقية، ضياء الناصري، إن «الحكومة العراقية تدعم الجهود لتذليل العقبات وحلّ الإشكالات مع دول الجوار، خاصةً مع إيران، وننظر إلى هذه الزيارة بإيجابية». وبالتزامن، كشف نائب وزير الداخلية الإيراني، مجيد مير أحمدي، أن رئيسي سيزور العراق في المستقبل القريب.

التنافس بين بارزاني وطالباني
أمّا الجانب الآخر من زيارة بارزاني لطهران، فيعود إلى التطوّرات داخل إقليم كردستان العراق، إذ تزامنت الزيارة مع أزمة الانتخابات البرلمانية في الإقليم، وذلك بعدما حدّدت المفوّضية العليا للانتخابات في العراق، يوم العاشر من حزيران، موعداً لإجرائها. وفي حين يطالب «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، برئاسة مسعود بارزاني، بإرجاء الانتخابات، يدعو «الاتحاد الوطني الكردستاني» العراقي، ثاني أقوى أحزاب الإقليم، إلى إجرائها في موعدها، إذ وصف رئيسه، بافل طالباني، بـ»الخطير» إرجاء الاستحقاق، قائلاً إن ذلك «ينال من المؤسّسات الديموقراطية في المنطقة». وفيما يقيم «الاتحاد الوطني الكردستاني» علاقات وثيقة مع إيران، أفادت مصادر مطّلعة بأن أحد محاور زيارة بارزاني لطهران، يتمثّل في الاستفادة من الأخيرة للضغط على «الاتحاد» في سبيل إرجاء الانتخابات.
من ناحية أخرى، فإن زيارة بارزاني لطهران، جاءت بعد أيام من زيارته لبغداد، فيما يختلف الجانبان على الميزانية المخصّصة لكردستان ونقل النفط. ووفق بعض المصادر، فإن بارزاني دعا إيران إلى استخدام نفوذها لدى الحكومة العراقية لتسوية خلافات حكومته مع بغداد.