بعد عقباتٍ كثيرة، أخيراً تمكنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من التوصل إلى اتفاقٍ مبدئي لترؤس حكومة جديدة، تحظى بدعم «الاشتراكيين الديموقراطيين»، واعدةً بالمساهمة في «انطلاقة جديدة» لأوروبا. وبعد خمسة أيام من المفاوضات الشاقة، آخرها جولة استمرت يوماً كاملاً في برلين، اتفق «المحافظون» التي تترأسهم ميركل، مع «الحزب الديمقراطي الاشتراكي»، والحزب الاجتماعي البافاري، على الخطوط العريضة لمفاوضات رسمية لتشكيل حكومة ائتلافية.ومن المنتظر أن يمهد الاتفاق بين زعماء حزبيين وبرلمانيين الطريق أمام مفاوضات تفصيلية في الأسابيع المقبلة، ما يزيل حالة الجمود التي أثرت سلباً بدور ألمانيا في الشؤون الدولية وأثارت تساؤلات بشأن بقاء ميركل في منصبها. وقالت مصادر حزبية إنه بعد محادثات استغرقت يوماً كاملاً، بدأ الزعماء الستة عرض مسودة مكونة من 28 صفحة على أعضاء الحزب.

ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مشارك في المفاوضات أن «الجانبين اتفقا على عدم زيادة الضرائب إذا قاما بتشكيل حكومة ائتلافية». وعن مسوّدة الاتفاق، ذكر أنها «ما زالت قيد تعديلات محتملة... اتفقنا من حيث المبدأ على ميزانية متوازنة من دون ديون جديدة». وأظهرت الخطوط العريضة للحكومة الائتلافية أن الجانبين يريدان إلغاء «ضريبة الوحدة» التي فرضت بعد توحيد ألمانيا عام 1990 لدعم الولايات الشرقية الأكثر فقراً.
وبالنسبة إلى السياسة الخارجية، ذكرت مسودة الاتفاق أن الحكومة الجديدة ستفرض مزيداً من القيود على صادرات السلاح، وستوقف على الفور مبيعات الأسلحة إلى الدول المتورطة في «النزاع اليمني»، كذلك فإنها ستبطئ أيضاً التقدم الذي تحقق في محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

ستوقف برلين
مبيعات الأسلحة
للدول المتورطة في النزاع اليمني


ومع ضعف موقفها في أعقاب نتيجة انتخابات أيلول، خاطبت ميركل الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي يميل نحو اليسار لتجديد ما يطلق عليه «ائتلاف كبير» بعد انهيار محادثات بشأن ائتلاف ثلاثي في تشرين الثاني الماضي، مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر. لذا، تريد المستشارة، التي مكثت لأكثر من 12 عاماً في السلطة، نجاح هذه المحادثات لتجنب المزيد من التراجع في سلطتها، ولتجنب أيضاً ضعف جديد لبلادها داخل الاتحاد الأوروربي أو حتى العالم.
وبالعودة إلى المسوَّدة، ذكرت أيضاً أن الحكومة ستعمل على أن تنتج ألمانيا نحو 65% من الطاقة عبر مصادر متجددة بحلول عام 2030. كذلك، قبل الانتقال إلى مفاوضات الائتلاف الرسمية، ينبغي للحزب الديمقراطي الاشتراكي إقناع أعضائه بالموافقة خلال مؤتمر يعقد يوم 21 كانون الثاني المقبل. وأهم نقطة جرى التوافق عليها في ختام المشاورات التمهيدية لتشكيل الحكومة في برلين، هي موضوع اللاجئين، إذ وضع الائتلاف الحكومي المرتقب سقفاً لقبول اللاجئين بحدود 200 ألف سنوياً، لكن في ذات الوقت لن يسمح بدخول أكثر من ألف شخص شهرياً في إطار حق «لمّ الشمل» العائلي، إضافة إلى توافق في موضوع الهجرة، أحد المواضيع الشائكة بين الأطراف.
من جانبها، أشادت المستشارة الألمانية بالتسوية التي جرى التوصل إليها، والتي بموجبها تستطيع المكوث في الحكم لأربعة أعوام إضافية، بجانب السماح لبرلين بتجاوز «مأزق سياسي غير مسبوق». في المقابل، قال زعيم «الحزب الديمقراطي الاشتراكي»، مارتن شولتس: «إن قادة الحزب وافقوا بالإجماع اليوم الجمعة (الأمس) على توصية نواب الحزب بمنحهم تفويض المضي في محادثات الائتلاف مع المحافظين بزعامة ميركل». وأضاف أنه «بعد الاتفاق في محادثات تمهيدية على مسوَّدة لمفاوضات الائتلاف الرسمية أعتقد أننا توصلنا لنتائج ممتازة».
في المقابل، قال رئيس شعبة الشباب في «الحزب الديمقراطي الاشتراكي»، كيفن كوهنرت، إنه «يخطط لجولة في ألمانيا لإقناع نواب الحزب بالتصويت ضد الائتلاف الكبير». ويشار هنا إلى أنّ العديد من أعضاء الحزب يتخوفون من أن تسبب المشاركة في الحكم مجدداً مع المحافظين المزيد من الضعف لحزبهم، وذلك بعدما حقق أسوأ نتيجة في انتخابات أيلول منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية في عام 1949.