ابن عائلة مقاوِمة للاستعمار. بقي في العراق ونظّر لمقاومة الاحتلال ورفض الطائفيّة المتَّهَم بإثارتها. وهو يُكلَّف مجدداً بمنصب أمين عام «هيئة العلماء»
بغداد ــ زيد الزبيدي
مع إعادة انتخاب الشيخ حارث الضاري أميناً عامّاً لهيئة علماء المسلمين، خلال مؤتمر عقدته في دمشق، بغالبية 41 صوتاً من أصل 43 تؤلّف مجلس شورى الهيئة، يُعاد تكريس الضاري رقماً صعباً على الساحة السياسية العراقيّة.
ولعلّ أبرز ما يتبادر إلى أذهان متابعي الشأن العراقي عند ذكر اسم الضاري، أنه كان من أوائل من رفعوا لواء المقاومة بعد الاحتلال في عام 2003، بما أنّ «شعباً لا يقاوم الاحتلال لا يستحق أن يكون»، ولأنّ الاستسلام «كان سيَسِم العراقيين بالذل والخنوع مدى الدهر، وهم ليسوا كذلك».
حتّى إنّ المقاومين يطيب لهم تسمية الضاري بـ«مرجعنا الروحي»، رغم أنّه يصرّ على أنّه وهيئته «لا ندّعي لأنفسنا هذا الشرف». وبحسب البعض، فإنّ أهمّ ما في الهيئة وأمينها العام، هو أنّهما يظلّان الأقرب إلى الاعتدال والانفتاح على كل الأطراف المناوئة للاحتلال، بغضّ النظر عن طائفتهم أو فكرهم وعقيدتهم.
غير أنّ من أبرز ما يؤخَذ عليه، والهيئة معه، هو الموافقة على إضافة كلمة «الإسلامية» على تسمية المقاومة الوطنية العراقية، ما جعلها محدودة الإطار الإيديولوجي وتأثيرها مقتصراً على السنّة أو المسلمين عموماً في أحسن الأحوال. صبغة إسلاميّة برّرت لبعض الفصائل الدينية المتشدّدة ادّعاء السعي لـ«بناء الدولة الإسلامية»، وتأسيس «الإمارة الإسلامية».
وعن اتهام الضاري بعلاقاته مع النظام السابق، يكرّر الرجل الإجابة نفسها: «لا نريد الحديث عمّا عانيناه وما قدّمناه في ذلك العهد من تضحيات على الصعيد الشخصي والعشائريّ». إلا أنّ المعروف هو أنّ الضاري خرج من العراق عام 1997 نتيجة المضايقات التي كان يعانيها من جانب النظام، بسبب مواقفه المعارضة، ومن أهمها اعتراضه على غزو الكويت، ومساندته للطلبة الأكراد في كلية الشريعة، وكذلك لنسجه علاقات جيدة مع علماء الأكراد، وتأثيره المعنوي في عشيرته الكبيرة والقريبة من بغداد.
في المقابل، كان الضاري مصرّاً على عدم السماح للمحتل بدخول العراق، «حتى وإن كان الحاكم ظالماً، لأن المستهدف هو الشعب والوطن بالدرجة الأولى». ويستشهد على ذلك بالفقه الجعفري، الذي «يوجب مقاومة الغازي الكافر، أيّاً كان الحاكم».
وينتسب الضاري إلى واحدة من كبرى العائلات العراقية التي تنتمي إلى عشيرة زوبع، إحدى عشائر قبيلة شمَّر العربية العريقة، وقد أدّت دوراً بارزاً في مقاومة الاحتلال البريطاني في العشرينيات من القرن الماضي. ولجدّه الشيخ ضاري الزوبعي قصّة بطوليّة مع البريطانيين، فهو قتل القائد البريطاني «لجمن»، ما حوّله إلى أحد رموز المقاومة حينها.
وفقد حارث الضاري شقيقه ضامر الذي اغتيل أمام منزله في حي الخضراء في بغداد في نيسان 2004، حيث وُجّهت أصابع الاتهام آنذاك إلى منظمة «بدر» التابعة لـ«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، (الذي أصبح اليوم «المجلس الإسلامي العراقي الأعلى»). إلا أنّ الشيخ حارث رفض اتهام أية جهة «لدرء الفتنة». حتّى إنّ المتحدّث الإعلامي باسم الهيئة، الشيخ محمد بشار الفيضي، كشف في حينها عن أنّ الضاري «أعلن على لسانه العفو عن قاتل أخيه الشيخ ضامر سليمان الضاري، من أجل وحدة العراق وخشية أن يتخذ البعض ذلك ذريعة لإشعال الفتن».
وفقد الشيخ حارث في عام 2006 ابن شقيقه، حارث ضامن الضاري، القائد الميداني لـ«كتائب ثورة العشرين»، الذي قُتل في منطقة أبي غريب، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى تنظيم «القاعدة»، إلا أن الضاري رفض أيضاً اتهام أيّ جهة.
وفي عام 2006، أصدر وزير الداخلية جواد البولاني مذكرة اعتقال بحق الدكتور الضاري بتهمة «التحريض على الإرهاب والعنف». ومن المفارقات التي تُذكَر عن هذه الواقعة، قيام البولاني نفسه بأداء الصلاة خلف الشيخ حارث الضاري في آب 2007 أثناء مراسم دفن الرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن عارف في دمشق. وبالطبع، فإنّ القيمة المعنوية والرمزية والشعبية التي يجسّدها الضاري حالت دون تنفيذ مذكرة الاعتقال بحقّه.
ويحمل الشيخ الضاري إجازة في الحديث والتفسير من كلية أصول الدين في جامعة الأزهر عام 1967، ثم حصّل شهادة ماجستير في التفسير من الكلية نفسها عام 1969، وماجستير آخر في الحديث عام 1971، كما نال شهادة دكتوراه بعد ذلك من الكلية نفسها عام 1978.
وإلى جانب نشاطه السياسي، عمل أستاذاً في كلية الإمام الأعظم وكلية الشريعة، وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه.