تصرّ أنقرة على التصرّف مع العالم الخارجي كما تفعل في الداخل. تعتقد أن ما يصدر عنها من «فرمانات» سينفّذ، ويُعتبر الحقيقة المطلقة.من ديار بكر إلى إسطنبول، تحرص حكومة «العدالة التنمية» على إسماع المواطنين نغمة واحدة. تسجن حقوقيين، تطرد صحافيين من جرائد خاصة، تبرّئ وزراء فاسدين، وتحجب مواقع التواصل الاجتماعي متى تشاء. يوم العدوان التركي على الأراضي السورية، السبت الماضي، تصرّفت أنقرة كما لو كنّا في القرن الرابع عشر. السلطان أورخان يريد حفظ كرامة أبيه عثمان الأول.
الاستعراض التركي عسكرياً وسياسياً بلغ ذروته. وأورخان هو مؤسّس الفرقة الانكشارية التي على ما يبدو أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان شديد الولع بها. المشهد الذي أراده حفيد «عالي الشأن» أورخان طُبّق بالصوت والصورة: عدد ضخم من الآليات العسكرية والجنود. رئيس مجلس الوزراء مع القادة الأمنيين يتابعون بالتفصيل مجريات العملية... خرائط وشاشات وأقمار اصطناعية وصور حيّة، وكالة «الأناضول» ما زالت تبثّ تقاريرها عن المتابعة العالمية «للعملية الخطيرة والناجحة». والأهم (حسب رئيس الورزاء أحمد داود أوغلو) أنّ العملية نفذت من دون طلب «رخصة أو مساعدة من أي طرف».
منذ اليوم الثاني للعملية، بدأت عملية الأتراك تظهر كأنها عمل جماعي لمهمة بَدَت بسيطة.
دمشق، أولاً، أكدت إخطارها بالعملية لتقرّ أنقرة بعدها بذلك. ثمّ الأعداء التاريخيون من الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني أكدوا التنسيق التام معهم بخصوص كل تفصيل في الخطة. تنظيم «داعش» الذي يبتعد مئات الأمتار عن الضريح، ضاعف هذه المساحة عشية التوغل، وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، أمس، إخطار التنظيم «عبر القبائل» بموعد العملية وأهدافها. من الصعب على المتابع أن «يلتقط» الخبر التركي كما هو من على ألسنة قادة أنقرة وشاشاتها.
قبل استفحال المسألة الكردية في بلاد الأناضول وتحوّلها إلى صراع مسلّح، كان بعض المثقفين الأتراك والمسؤولين الحكوميين لا يعيرون أي اهتمام لنقاش الواقع الكردي في بلادهم، رغم الاضطرابات الكبيرة التي ظهرت منذ عشرينيات القرن الماضي، مع ثورة الشيخ سعيد عام 1925.
يومها كانت تركيا الرسمية قد وجدت إجابة للاختلاف الثقافي لهؤلاء البشر المنتشرين على نحو واسع في البلاد. إنهم «أتراك الجبال»، قالوا ونشروا و«وثّّقوا». هذا النكران أوصل عام 1984 إلى حمل الآلاف من «أهل الجبال» للسلاح بوجه أهل المدينة الحَضَر.
اليوم تركيا بهيبتها وقوتها، تعتقد أنّها تستطيع أن تعيش النكران، أو على الأقل أن تفرض هذا النكران على المحيط. فهي تستطيع أن تعتدي على سوريا متى تشاء، ثمّ تسوّق لهذا العمل عبر ماكيناتها السياسية والاعلامية. بعدها بصفاقة لافتة تتراجع عن «المشهد» المقدّم لتُدخل فيه عناصر جديدة. عناصر لا تستحضر سوى تجربة خطف الدبلوماسيين الأتراك يوم اجتاح الموصل مسلحو «داعش» الصيف الماضي، ولا تكشف إلا عن حقيقة لا لبس فيها: لم يحدث بعد ما يعكّر صفو الودّ بين حكام أنقرة وقادة «داعش».
1 تعليق
التعليقات
-
ضريح سليمان شاه "بورتابل"تقول الرواية الأصدق والأقدم، أن سليمان شاه كان مع رجلين آخرين (أخوين شقيقين في إحدى الروايات)، وكانوا يحاولون عبور الفرات، عندما لم يحالف الحظ سليمان أفندي وغرق في النهر! مات غرقاً، ولم يكن لا في حالة حرب ولا في حالة جهاد. عملوا له قبراً صغيراً متواضعاً على قده. لم يكن يعرف أنه سيكون جداً لمؤسس امبراطورية مترامية الأطراف، حيث أن الحفيد "عثمان" لم يكن قد ولد بعد، والفارق بين وفاة سليمان ومولد حفيده عثمان يعادل /22/ سنة! ولكن سليمان ما عاد رجلاً نكرة عبر العصور التالية، بل تحول إلى "جد مؤسس الخلافة العثمانية"، وصار له ضريح يليق بمكانته التي لم يساهم بأي جهد في سبيلها! بعد مرور /738/ سنة على وفاة سليمان شاه، تقرر نقل ضريحه في سبعينيات القرن الماضي، لأن مكانه الأصلي كان سيغرق مع بناء سد الفرات وتكون بحيرة الأسد. واليوم، يتم نقله من جديد، بعد /41/ سنة، مرة أخرى، إلى بقعة أخرى محاذية لنهر الفرات، وضمن الأراضي السورية! إن كان الأتراك يريدونه إلى هذه الدرجة، فلماذا لم ينقلوه إلى أنقرة أو اسطنبول؟! لماذا نقلوه من أرض سورية إلى أرض سورية أخرى؟ لماذا حولوا ضريح جدهم إلى "مسمار جحا"؟! المسكين تم نقل رفاته عدة مرات حتى الآن، وهو مرشح لنقل جديد في المستقبل القريب أو البعيد، وكأنه "لابتوب" أو حاسوب "بورتابل"! ترى ماذا تراه يقول اليوم بعد /779/ سنة على وفاته؟! هل هو سعيد بتنقله المستمر وتغيير مكان الإقامة؟ أم أنه يقول: "آمان ربي آمان"!!!