حيفا ـ فراس خطيب
فلسطينيو 48 متمسّكون بمحاكمة قتلة شهدائهم


على مقربة من مسجد مدينة سخنين، حيث انطلاق التظاهرة الاحتجاجية، وقفت فتاة تجاوزت العشرين من عمرها، تلفُّ على عنقها حطة فلسطينية، توزع ملصقات ضخمة لصور الشهداء. ليس شهداء أكتوبر فحسب، بل لعشرين شهيداً فلسطينياً آخرين قتلوا منذ عام 2000 على أيدي الشرطة الإسرائيلية وعنصريين آخرين. تقول إن «هذا ملصق ليذكر الجميع بأنَّ القتل كان قبل أكتوبر واستمر بعده بوتيرة أكبر».
كان الناس يتوافدون نحو مكان التجمهر. ينزلون من الحافلات بسرعة. في الأفق ما هو مثير، ما يختلف عن تظاهرة عادية أو إحياء ذكرى. عندما بدأت الهتافات تعلو، كان واضحاً أنّ كل شيء على ما يرام، لكن في هذه المرة، كان صوت الهتاف أعلى والناس أكثر غضباً.
استجابت المؤسسات الفلسطينية بالأمس إلى قرار الإضراب، كل المدارس والمؤسسات أغلقت أبوابها. هناك من المحالّ التجارية ما لم يستجب، لكن في مدينة سخنين والقرى المجاورة، الاستجابة شبه كاملة. فمدينة سخنين هي ضلع قوي في مثلث يوم الأرض، لها في كل حدث شهيد أو اثنان.
سار أكثر من 20 ألف متظاهر في شوارع المدينة استجابة لدعوة لجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية، التي أعلنت المسيرة والإضراب العام احتجاجاً على قيام المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية مناحيم مزوز بإغلاق ملف المسؤولين عن مقتل 13 شاباً فلسطينياً في عام 2000، عندما هب فلسطينيو 48 احتجاجاً على ممارسات الجيش الإسرائيلي في الضفة والقطاع ضد الانتفاضة الثانية. لقد برَّأ مزوز ساحة القتلة، ما اعتبره فلسطينيو 48 تشريعًا لقتلهم.
قال شاب: «الناس غاضبون على كل شيء، من أكتوبر حتى غزة، انظر إلى الشباب كيف يهتفون، ستشعر بأن في قلبهم غضب، هذه التظاهرة أكبر بكثير من تظاهرة ذكرى أكتوبر، هذا يدل على أن الناس تحركوا وفهموا الجحيم الذي نعيشه».

الحضور الشبابي طاغٍ

أعلام فلسطينية وسوداء ونعوش لـ 13 شاباً، وكأنهم يشيعونهم من جديد. على كل نعش صورة واسم، وأمهات ينتحبن على أبنائهن. «كل شيء عاد لي» قالت والدة شهيد لم تكف عن البكاء منذ اللحظة الأولى لانطلاق المسيرة. كان المشهد علامة على أن الجرح لا يزال مفتوحاً، لا يندمل، ولن يندمل، لا بلجنة تحقيق ولا بغيرها.
كان والد الشهيد وليد أبو صالح من سخنين يحمل صورته ويمضي صامتاً بين الشباب. «هذه رسالة للحكومة الإسرائيلية، هذا ابني، ونحن لن نمر مرَّ الكرام على قتلهم، فليفهم الجميع، من لا يعجبه فليشرب من البحر. لن يهربوا منا، قبلنا وتعاونا مع لجان التحقيق، ماذا يريدون أكثر، لقد أغلقوا الملف، لكن في مكاتبهم فقط».
اختتمت المسيرة بمهرجان خطابي ضخم شارك فيه رئيس لجنة المتابعة العليا شوقي خطيب، الذي أكد أن «هؤلاء المتظاهرين جاؤوا ليقولوا لحكام إسرائيل: لقد سقط القناع، وظهر وجهكم الحقيقي». وأضاف: «نحن نريد لجنة تحقيق بإشراف دولي، ولم نعد نتوخى من قضائكم أن ينصفنا، فسبق أن أُلفَت لجان التحقيق وأعطت توصياتها.. ورغم كل ذلك، ما زلتم تنكرون قتل أبنائنا، وتتنصلون من المسؤولية».
وألقى حسن عاصلة، والد الشهيد أسيل عاصلة، كلمة عن ذوي الشهداء بدأها بقوله: «إن عشت فعش حراً أو مت كالأشجار وقوفاً وقوفاً»، مخاطباً حكام إسرائيل بالقول: «نعدكم بأنكم ستزولون وسنبقى نحن هنا ملح الأرض».
وقال النائب محمد بركة، لـ«الأخبار»، إن «هذه المرحلة هي مرحلة مواجهة يهودية الدولة، وما يحدث اليوم، هو ترجمة دموية ليهودية الدولة»، مشيراً إلى أن الشهداء «لم يقتلوا لأنهم أبناء فلان أو علان، هم قتلوا نتيجة انتمائهم».