رون تيرا ــ «هآرتس»
تحركت إسرائيل، في عملية «تغيير الاتجاه»، من خلال فكرتين أساسيتين: الأولى تفيد أنه يجب خوض المعركة ضد دولة لبنان حتى تقوم بتفكيك حزب الله من أجل اسرائيل. ولكن اتضح الأمر الذي كان على اسرائيل أن تعرفه مسبقاً وهو أنه حتى لو كانت لدى حكومة لبنان مثل هذا الدافع، فإنها لا تملك القدرة السياسية على التصادم مع حزب الله، ومع راعيتيه ايران وسوريا. لذلك كان من الممكن أن يؤدي الضغط على حكومة السنيورة الى انفراطها وإلحاق الضرر بمصالح اسرائيل.
كان لدى السنيورة وغيره من القادة السنة في لبنان دافع لإضعاف حزب الله قبل اندلاع الحرب، إثر مقتل رفيق الحريري وانتفاضة الأرز. ولكن هذه الأطراف استنفدت قواها السياسية، بل اضطرت الى التعاون مع حزب الله والحكومة التي ألّفتها. من هنا، وبسبب التحفظ على استخدام القوة ضد دولة لبنان من قبل حلفائها والدول العربية المعتدلة، تخلّت اسرائيل تدريجاً عن فكرة ضرب لبنان كدولة، وإن لم تصرح بذلك رسمياً.
الفكرة الثانية التي تبنّتها اسرائيل هي خوض معركة قليلة الاحتكاك، وكثيرة النيران الدقيقة ضد حزب الله، إلا أن حزب الله كان يملك تركيبة مشتتة، وعناصره كانت تتحرك بصورة شبه ذاتية من دون حاجة الى تحريك القوات والإمدادات. كانت قوات حزب الله وإمداداته موزعة على الارض داخل التجمعات السكانية وفي المخابئ السرية، الأمر الذي أفشل التوجه الاسرائيلي.
للوهلة الأولى، يبدو أن المعركة التي تؤدي الى شلّ الخصم كان من المفترض أن تُعفي اسرائيل من الحاجة الى ملاحقة قواعد الصواريخ وتدميرها بصورة فردية، ولكن منظومة حزب الله المستقلة ذاتياً أدت، في الواقع، الى اضطرار اسرائيل للقيام بعملية «الصيد» هذه. غير أنه كان معروفاً لإسرائيل، من قبل أن تندلع المعارك، أن الاستخبارات والنيران الاسرائيلية قد فشلت في صيد صواريخ القسام في شمال قطاع غزة من قبل، على رغم أن المساحة صغيرة نسبياً وسهل الوصول إليها. اذا كان الأمر كذلك، فليس هناك سبب للافتراض بأن اسرائيل ستحصل على نتائج أفضل في لبنان باستخدام الوسائل نفسها، ولا سيما أن منظومة حزب الله الصاروخية تتوزع على مساحة بعمق عشرات الكيلومترات، بما فيها المناطق الجبلية والحرجية والمأهولة بالسكان.
المعارك النارية، أي من خلال القصف المدفعي والجوي، فشلت أيضاً في إبادة العدو، وفي معادلة الربح مقابل الكلفة: آلاف الطلعات الجوية، وأكثر من 150 ألف قذيفة أدت فقط الى إبادة عشرات الأهداف القيِّمة وقتل 200 - 300 مقاتل من حزب الله (إضافة الى قتلى التنظيم في المعارك البرية). أي إن غالبية عمليات القصف قد نُفذت هباءً.
في وقت متأخر جداً من القتال، أُدخلت القوات البرية الى لبنان، بعد تردد طويل ومن دون فكرة قتالية واضحة. كان استخدام القوات البرية تسوية بين النهج الذي أيّد عدم استخدام القوات العسكرية وذلك النهج الذي ينادي باستخدامها بصورة مكثفة. أدت هذه التسوية السيئة الى سقوط اصابات في صفوفنا ولم تؤدِ الى تحقيق النتائج المرجوة منها التي وُضعت لعملية لبنان. وبالفعل، لم تُستخدم القوات التي أُدخلت الى لبنان بصورة كان بإمكانها أن تؤدي الى إزالة تهديد الصواريخ أو التوصل إلى تأثير سياسي جدي. فكّر الجيش الاسرائيلي من خلال تحديد أهداف ملائمة لاستخدام النيران فقط، ولم يستخدم قواته البرية بالديناميكيات نفسها التي جلبت لها الانتصارات في الماضي: تشخيص نقاط ضعف الخصم، والمباغتة، والخداع، واجراء المناورات في عمق أراضي العدو وإفقاده لتوازنه، واستغلال النجاح ومواصلة الضغوط. صحيح أنه لم يكن من الممكن تطبيق نتائج الحروب ضد الجيوش النظامية على معركة ضد تنظيم عصابات، ولكن حتى لتنظيمات العصابات هذه توجد نقاط ضعف.
أدّت اسرائيل دوراً في مصلحة حزب الله، وخاضت ضده معركة كان له تفوق نسبي فيها، ولم يكن بإمكانها أن تنتصر فيها منذ البداية. البقاء والانتصار في الحرب المقبلة يُلزمان اسرائيل إجراء بحث حقيقي في المعركة الأخيرة والعمل فوراً على بناء قوات جيشها واستخدامها ضمن رؤية واضحة. اذا لم يتم تدارس الفشل، وسُمح بطمس معالمه مع الوقت، فإن اسرائيل ستخسر في الحرب المقبلة.
يُحتمل أن تكون حرب لبنان الثانية هي فيتنام اسرائيل. حاولت اسرائيل، كما أميركا في فيتنام، إخضاع تنظيم حرب العصابات بواسطة القصف المدفعي والجوي، من دون مناورات مكثفة، واستخدمت قواتها بصورة تدريجية متدحرجة، بينما انكسرت الرغبة الشعبية تحت وطأة عدد المصابين. وإن الدولة لم تقاتل بنيّة وعزيمة صافيتين، من خلال الالتزام بالانتصار. الأنباء السيئة هي أننا فشلنا. أما الأنباء الجيدة فهي أن قواتنا النظامية والاحتياطية هي قوات جيدة وشجاعة وباسلة. في هذه المرة، استُخدمت هذه القوات بصورة غير صحيحة. وقد حصلت اسرائيل على فرصة ثانية لتدارس أوضاعها وتحسين قدراتها.