رام الله | تعمل إسرائيل على حسم الصراع في الضفة الغربية، من خلال إطلاق العنان للاستيطان، لقتل أيّ إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً. وبالتالي، فليس وارداً تخلّيها عن «مشروع E1» الاستيطاني. وإذا كانت الضغوط الأميركية قد نجحت في دفع رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إلى هذا التأجيل، فإن ظروفاً أخرى قد تتوفّر لإسرائيل لتنفيذه على أرض الواقع. فقد رسّخت الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ التوقيع على «اتفاق أوسلو» عام 1993، قاعدة أساسية في التعامل مع الملفّ الفلسطيني، عنوانها إدارة الصراع، لا إنهاؤه، بموجب رعايتها لِما أُطلق عليه «عملية السلام». وخلال العقود الثلاثة الماضية، غضّت واشنطن الطرف عن كل المشاريع الاستيطانية الكبرى في الضفة، لكنها اليوم تعلم أن تنفيذ «مشروع E1»، سيعني إنهاءً فعليّاً لعملية السلام وإمكانية قيام دولة فلسطينية، وسيحرج بشكل كبير السلطة الفلسطينية، ما يرتّب تداعيات على تلك العلاقة، وعلى الوضع الأمني برمّته.وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وبّخ نتنياهو، خلال محادثته ليل الخميس، لأنه نكث بوعوده، في إشارة إلى الالتزامات التي تعهّد بها في الاجتماعات الإقليمية في العقبة وشرم الشيخ، من أجل تجنّب الخطوات التي تقوّض فرص «حلّ الدولتَين». ومن تلك الالتزامات، عدم إقامة مستوطنات جديدة، بما يشمل أيضاً تجديد الاستيطان في بؤرة «حومش» التي بدأ المستوطنون بالعودة إليها. وجاء اتصال بلينكن للتأكيد على موقف إدارة جو بايدن التي أرسلت، الأسبوع الماضي، رسائل «حاسمة» إلى إسرائيل، بحسب توصيف صحيفة «هآرتس»، طالبت فيها بوقف الترويج لخطّة البناء في «مشروع E1». ويبدو أن استجابة نتنياهو للضغوط، أقرب إلى ورقة مساومة، في ظلّ تولّي إدارة بايدن ملفّين يقعان على رأس أجندة رئيس الحكومة السياسية والأمنية في الوقت الراهن، ويعوّل عليهما لتحقيق إنجاز: أولهما، ملف التطبيع مع السعودية الذي تبذل واشنطن جهوداً لإبرامه؛ وثانيهما، برنامج إيران النووي، والحصول من واشنطن على ضمانات كبيرة وربّما مساعدات مالية وعسكرية، في ظلّ قرب توصّل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق جديد.
وبعد عام من «اتفاق أوسلو»، أعادت إسرائيل مخطّط «E1» ليُصادَق عليه عام 1997، وهو مخطّط استيطاني سيقام على أرض تبلغ مساحتها قرابة 12 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين في قرى الطور، وعناتا، وأبو ديس، والعيزرية. وكان من المقرّر أن تناقش «الإدارة المدنية» الاعتراضات على خطّة البناء، وهي المناقشة الثالثة التي يتمّ من بعدها نقل الخطّة إلى المرحلة النهائية من الموافقة على التخطيط في الإدارة المدنية. وإذ نجحت الضغوط الدولية مراراً في تأخير تنفيذ المخطّط، منذ عام 2005، إلّا أنه في عام 2013، جرت مناقشة في «مجلس التخطيط في الإدارة المدنية» لدفع خطط البناء في المنطقة بمبادرة من نتنياهو. وآنذاك، تمّت المصادقة عليها، لكنّ بريطانيا وفرنسا احتجّتا على ذلك من خلال استدعاء سفيريهما من إسرائيل، ليُصار إلى تجميد المخطّط بعد الانتخابات. ولاحقاً، في عام 2017، جرت محاولة أخرى لتعزيز البناء في منطقة «E1» من خلال قانون ضمّ مستوطنة «معاليه أدوميم». وكان القصد هو تطبيق القانون الإسرائيلي على المدينة، كما كان من المفترض أن يُطرح القانون للتصويت في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، لكنّ نتنياهو عرقل التصويت بعد الرسائل التي تلقّاها من الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب. وفي عام 2020، أعلن نتنياهو عن خطّة بناء في المنطقة كانت مناقشتها ستجري في الإدارة المدنية، وبموجبها سيتم بناء 3500 وحدة سكنية في منطقة «E1»، لكن جرى تأجيل المناقشات حول هذه الخطّة عدّة مرّات، كان آخرها، عشية زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لإسرائيل.
المخطّط الاستيطاني في المنطقة هو إحدى الركائز الأساسية لإقامة «القدس الكبرى»


والمخطط الاستيطاني في المنطقة هو إحدى الركائز الأساسية لإقامة «القدس الكبرى» بالمفهوم الإسرائيلي الذي يعادل 10% من مساحة الضفة المحتلّة، ما سيؤدّي الى تفتيت القدس، من خلال إقامة منطقة صناعية على مساحة كيلومتر مربع، بالإضافة إلى الوحدات الاستيطانية ومجموعة فنادق، ما يعني إغلاق المنطقة الشرقية من القدس بشكل كامل، وتطويق قرى عناتا، والطور، وحزما، بما يمنع إمكانية التوسّع العمراني تجاه الشرق، وبالتالي منع إقامة شرقي القدس (كعاصمة لفلسطين) وإمكانية تطوّرها باتجاه الشرق، وربط جميع المستوطنات في المنطقة الشرقية وخارج حدود بلدية القدس، مع المستوطنات داخل حدود البلدية، وبالتالي تحويل القرى العربية إلى معازل محاصرَة بالمستوطنات. وإذا كانت إسرائيل تؤجّل الشروع بالبناء الاستيطاني في المخطّط، إلّا أنها أنهت فعليّاً البنية التحتية له، من شوارع رئيسة، وقرب إنجاز جدار الفصل العنصري حول العيزرية بالكامل ليفصلها بالتالي عن مستوطنات «معاليه أدوميم» و«كيدار»، أسوة بالجدار بين أبوديس وجبل المكبر ورأس العمود وسلوان.
وتواصل التوسع الاستيطاني في الضفة، مع عودة المستوطنين إلى «حومش» شمال الضفة، واستهداف جبل صبيح قرب نابلس، وحصار قرية المغير بهدف ضمّ أراضيها، وتهجير تجمّع عين سامية البدوي قرب رام الله، والذي يضمّ عشرات العائلات، ووجود مخطّط لضمّ المنطقة الأثرية في سبسطية، والكشف عن مشروع يهدف إلى الاستيلاء على أكثر من 10 آلاف دونم من الأراضي الزراعية في محافظة سلفيت تابعة لبلدات الزاوية، ودير بلوط، ورافات، ومسحة، غرب المحافظة، وتحويلها إلى مناطق صناعية وسياحية، ووحدات استيطانية، وطرق رابطة بين المستوطنات.
وفي أيار الماضي فقط، وتزامناً مع اعتداءات المستوطنين وهجماتهم اليومية، أصدرت سلطات الاحتلال ثلاثة أوامر «وضع يد» بالاستيلاء على ما مجموعه 152 دونماً من أراضي محافظات قلقيلية ونابلس وجنين ورام الله لصالح إعلانها «أراضي دولة»، كما أودعت للمصادقة اللاحقة 6 مخطّطات هيكلية لمستعمرات في الضفة الغربية، استهدفت ما مجموعه 882 دونماً من أراضي الفلسطينيين، من خلال توسيع المستوطنات عليها. وهدفت هذه المخطّطات إلى بناء ما مجموعه 918 وحدة استيطانية جديدة، والشروع بإنشاء مستوطنة جديدة في محافظة سلفيت تحت مسمى «أرئيل غرب» ببناء 600 وحدة استيطانية جديدة.