الخرطوم | بينما ظلّت مباحثات جدة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، والتي انطلقت بداية الشهر الماضي برعاية سعودية - أميركية، تراوح مكانها، بسبب تعنّت الطرفين في الالتزام بوقف إطلاق النار تمهيداً للوصول إلى اتفاق شامل، برزت إلى السطح مبادرة أفريقية أعلنت عنها «الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا - إيغاد»، سعياً إلى تحقيق هدنة تتضمّن فتح ممرّات إنسانية خلال أسبوعين، والشروع في إدارة حوار وطني خلال ثلاثة أسابيع لوضع حدّ للحرب المشتعلة منذ الـ15 من نيسان. إلّا أنه بعد أيام قليلة من انعقاد اجتماع اللجنة الرباعية لـ«إيغاد» في جيبوتي، بمشاركة رؤساء إثيوبيا وجنوب السودان وجيبوتي وكينيا، إلى جانب نائب رئيس «مجلس السيادة» السوداني مالك عقار، بدأت رقعة الحرب في الاتّساع، ليتجدّد الصراع في إقليم دارفور غربي البلاد، حيث شهدت مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، قتالاً دموياً راح ضحيته المئات وشَرّد الآلاف بعد حرق وتدمير مساكنهم، قبل أن يبلغ القتال ذروته باغتيال والي الولاية، خميس أبّكر، وتتّخذ الأمور منحًى أكثر خطورة سيصعّب بلا ريب من مهمّة «إيغاد».ومع إعلان الأخيرة عقد اجتماعٍ جديد لقادة اللجنة الرباعية في أديس أبابا في غضون الأسبوع المقبل، تَبرز تساؤلات حول مدى قدرة المنظّمة على تحقيق اختراق في جدار الأزمة، بعدما عجزت عن ذلك الوساطة السعودية - الأميركية بكلّ ثقلها، فضلاً عن أثر تعدّد المبادرات أصلاً على مسار حلّ الأزمة. في هذا الإطار، يرى الكاتب والمحلّل السياسي، أنور سليمان، أن «تعدّد المبادرات ومنابر الحلول لا يصبّ في مصلحة تسوية الأزمة السودانية»، معتبراً أن «إيغاد، وبالرغم من أنها المنظّمة الإقليمية الأقرب إلى السودان ومشكلاته، ودولها تعدّ من أكثر الدول تضرّراً من استمرار الحرب، إلّا أن مبادرتها جاءت متأخّرة جدّاً». ويشير سليمان، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «إيغاد تمتلك خبرة واسعة في الشأن السوداني منذ أن تحوّل إعلان المبادئ الذي تمّ التوصل إليه عن طريقها في عام 1996، إلى أساس لتسوية الحرب في جنوب السودان، ولاتفاق السلام الشامل الذي أفضى إلى انفصال الجنوب في عام 2011»، مستدركاً بأن «الديبلوماسية الغربية والإقليمية، متمثّلة في شركاء وأصدقاء إيغاد، هي مَن تدير عمل المنظّمة من وراء الستار». ويعتقد سليمان أن «مباحثات جدة لا تزال هي الأوفر حظّاً بحكم ثقل الولايات المتحدة والسعودية»، مضيفاً أن «تعثُّر هذه المباحثات، وعدم تحقيقها أيّ نجاح - ما أغرى "إيغاد" بالتدخّل -، لا يعود إلى فشل المنبر أو الوسطاء، بل سببه هو أن شروط التسوية الداخلية لم تنضج بعد».
ويسود اعتقاد وسط المراقبين بأن «إيغاد» ستواجه العديد من العقبات في سبيل سعيها إلى إيجاد حلول للأزمة السودانية، في ظلّ تمترس طرفَي الصراع وراء مواقفهما، وإصرارهما على مواصلة القتال، من دون اكتراث للخسائر التي يتسبّب بها ارتفاع حدّة العنف واتّساع رقعته، والتي تفيد آخر إحصائيات الأمم المتحدة بوصولها إلى ما يقرب من 1000 قتيل من المدنيين، وأكثر من 2.2 مليون لاجئ ونازح. وفي ظلّ التحشيد الإعلامي الكبير من قِبَل الطرفَين، يبدو التوصّل إلى تسوية أو اتفاق، أقلّه في المدى المنظور، شبه مستحيل، خصوصاً مع وجود تيّار واسع يقوده أنصار النظام السابق المؤيّدين للجيش، يرفض إبرام اتفاق مع قوات «الدعم السريع»، باعتبار أن أيّ تسوية معها ستجعلها شريكاً رئيساً في المشهد السياسي في مرحلة ما بعد الحرب.
ومن هنا، يعود سليمان بحديثه إلى بدايات الأزمة، معتبراً أن الصراع الجاري حالياً ليس طارئاً أو مفاجئاً؛ إذ إن التحضير له كان يَجري منذ وقت ليس بالقصير، مضيفاً أن الطرفَين يحتاجان إلى زمن طويل، ومساعدة لتطوير قناعتهم بأن أهدافهم يمكن الوصول إليها سلمياً وبلا خسائر كبيرة مثلما يحدث الآن. ويلفت إلى أن كليهما لم يصلا بعد إلى مرحلة الجلوس على طاولة واحدة للحوار، فضلاً عن أن أعضاء وفدَيهما ليسوا من قادة الصفّ الأول الذين بإمكانهم اتّخاذ قرارات شجاعة للوصول إلى تسوية سريعة تُنهي الحرب.