القاهرة | على رغم تأكيد الحكومة، باستمرار، انتظام توافر السلع والأدوية، وعدم تأثّره بالأزمة الراهنة المرتبطة بالعملة الصعبة، إلّا أن هذه التأكيدات تبدو منافية للواقع، حيث امتدّ النقص ليشمل واردات القمح التي تأخّر فتح خطابات اعتماد السداد الخاصة بها، في ما لم تشهده الدولة المصرية حتى في أصعب الأوقات. وأقرّت وزارة التموين بإبلاغ الموردين تأخير فتح خطابات الاعتماد لنحو 11 شحنة قمح في محاولة لتخفيف الضغوط على البنك المركزي المطالَب بتوفير الدولار وفق الأسعار الرسمية للمورّدين. وتعاني الوزارة عجزاً غير مسبوق في تأمين العديد من السلع، فيما منافذ البيع فيها والتي يروَّج لها باعتبارها وسيلة لمحاربة الغلاء وارتفاع الأسعار، باتت تغلق أبوابها في أغلب الأيام لعدم توافر المواد الأساسية، ومن بينها اللحوم التي حُدّدت حصّة كلّ مواطن منها بكيلو واحد أو اثنين، والسكر والزيت والأرز.وتحاول «التموين»، التي تشهد منافذها طوابير يومية، الحفاظ على الكميات الموجودة في مخازنها لأطول فترة ممكنة، والتي تقول إنها تكفي لنحو 6 أشهر، وهو ما لا يبدو مستبعداً في ظلّ تحجيم عمليات الإفراج عن المخزون، وتخفيضها إلى الحدّ الأدنى بالنسبة إلى العديد من السلع الاستراتيجية التي قفزت أسعارها في الفترة الماضية بصورة قياسية وزادت بنحو 100%. وفي الوقت الذي تتّهم فيه الدولة التجّار بالجشع، لم تَعُد منافذها، سواءً تلك التي تديرها «التموين» أو توفرها قوات الجيش والشرطة ووزارة الزراعة، قادرة على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، وسط تغيّر شبه يومي في الأسعار بسبب تقلّب أسعار الصرف وتراجع عمليات الاستيراد، وتوقّعات بتفاقم الأزمة مع اقتراب عيد الأضحى والارتفاع المطّرد في أسعار اللحوم.
أمّا المشكلة الرئيسة التي تواجه الحكومة الآن، فهي تلك المرتبطة بنقص القمح، في ظلّ الحديث عن تأخير فتح خطابات الاعتماد إلى بداية العام المالي الجديد مطلع شهر تموز المقبل، فيما يبدو أن شحنات جديدة عدّة ستواجه المصير نفسه. وبينما تحاول السلطات طمأنة المورّدين إلى أن الأموال التي يَجري الاستيراد بها موجودة لكن سيتأخّر سدادها، يبقى الخيار الوحيد أمام هؤلاء هو الرهان على التزام الدولة بالسداد، والصبر على عملية التأخير، التي يلتزم البنك المركزي حيالها الصمت. المفارقة أن هذا النقص يأتي في وقت حصلت فيه الحكومة على قروض من جهات دولية لتوفير القمح، الذي تبلغ فاتورة استيراده نحو 285 مليون دولار شهرياً، علماً أن الحكومة تسعى إلى تأمين استيراد السلع الأساسية بالعملة الأجنبية عبر القروض والتمويلات التي تحصل عليها.
على أن تأخير السداد لم يَعُد مقتصراً فقط على مورّدي القمح، بل امتدّ ليشمل أيضاً الشركات الأجنبية العاملة في قطاع البترول، والتي عادت لتُراكم أموالها في الداخل من دون أن تتمكّن من الحصول عليها، ليرتفع إجمالي المبالغ المستحَقّة لها إلى نحو 3 مليارات دولار، بعدما كانت أقلّ من 800 مليون دولار فقط. وتُراهن وزارة البترول على صبر الشركات الأجنبية في مقابل الامتيازات التي تحصل عليها في أعمال التنقيب، خاصة وأن هذه ليست المرّة الأولى التي تتراكم فيها الديون، بعدما بلغت في عام 2014 نحو 6 مليارات دولار، وجرى تسديدها على شكل دفعات حتى مطلع العام الماضي قبل أن يبدأ التعثّر مجدّداً.
وبالعودة إلى نواقص السلع الحادّة نتيجة نقص العملة، بات شبح فقدان الأدوية يخيّم على الأسواق والصيدليات، ليس ربطاً بالأدوية المستوردة من الخارج فقط، وإنّما أيضاً بالأدوية المصنَّعة محلّياً نتيجة نقص المواد الخام. وعلى هذه الخلفية، حذّرت غرفة صناعة الدواء في اتحاد الصناعات من وصول مخزون الأدوية إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، مطالبةً الحكومة بتوفير اعتمادات بنحو 100 مليون دولار فقط لاستمرار المصانع المحلّية في التصنيع. وفي خلال الأسابيع الماضية، سُجّل نقص حادّ في العديد من أدوية الأمراض المزمنة، ومن بينها دواء شهير لمرضى الغدة الدرقية، في وقت اضطرّت فيه الحكومة للموافقة على رفع أسعار عدد من الأدوية بشكل كبير لضمان استمرار توافرها، ومن بينها أسعار أدوية مزمنة، في ظلّ استمرار تعرقل مخطّط التأمين الصحّي الشامل، والذي كان من شأنه تخفيف الأعباء المالية على المواطنين.